الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في جمع القمامة عند المسلم والكافر

السؤال

تعليق على فتوى عامل النظافة في بلاد الغرب
أولا أود أن أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع المبارك جزاكم الله كل خير عنا وعن الأمة الإسلامية
عندما قرأت الموضوع شعرت أني بحاجة لوصف ما رأيته وأراه:
أعيش في دولة غربية قد يختلف الموضوع من دولة لأخرى لكن هنا لا يعتبرون التنظيف نوعا من أنواع الذلة بل على العكس تماما يحترمون من يقوم بهذا العمل ويقدرونه حتى أنك تجد الكثير منهم يقومون بذلك كنوع من أنواع التطوع المجاني يجوبون الشوارع يحملون أكياس القمامة ويلتقطون أدنى القمامة حجما.
وفي المحلات العامة والمولات الذي يقوم بالتنظيف هو نفس الشخص الذي يعمل على الكاشير (المحاسب ) طبعا بالمناوبة
الفكرة التي أقولها أنه لا أحد ينظر إلى من ينظف بعين الإساءة إلا نحن العرب مع أنه عمل مهم وهذا أحد مفاهيمنا الخاطئة وإذا لم يوجد من يقوم به فتخيل أعزك الله والنظافة عامل مهم في دينا ثم حياتنا فعندما تشعر بنظافة كل ماحولك تشعر براحة في نفسك تعطيك دفعا لقيام بكل شيء والعبادة ضمنا
والله إني عندما أنظر إلى شوارعنا أشعر بالاحترام لكل من يقوم بذلك العمل في تلك البلاد
ووالله إن أغلب الأماكن في بلادي تحمل الأمراض والأوبئة من كثرة الأوساخ أجلكم الله لما نحمله من مثل هذه النظرة عن عامل النظافة.
وجزاكم الله خيرا على صبركم على قراءة رسالتي وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكر لك تواصلك معنا واهتمامك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يرينا وإياك الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

وأما ما ذكرتِه عن عامل النظافة في بعض البلاد الغربية وأنه لا ينظر إليه بازدراء، بل بنظرة إجلال وإكبار خلاف غيرهم ممن ينظرون إليه عكس تلك النظرة.فنقول: إن مرد ذلك إلى الأعراف وترتيب المجتمع للأعمال المهنية فبعضها يراه حسنا وبعضها يراه دون ذلك، وقد يلحظ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: كسب الحجام خبيث.. رواه مسلم فقد أقره صلى الله عليه وسلم على عمله مع دناءة وخسة ما يتكسب به لحاجة المجتمع إلى من يقوم بتلك الأعمال، وقد سخر الله تعالى لها أناسا ليحصل التكامل في المجتمع فقال: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف: 32} ومعناه ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا قاله السدي وغيره كما نقل ابن كثير. وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء ومحاويج فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة، ورفع بذلك بعضهم فوق بعض، وجعل بعضهم محتاجا إلى بعض ومسخرا له.اهـ ولتفاوت الأعمال وتفاضلها قال صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني، قال المناوي في فيض القدير: ومعناه أن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات وتحسنوا السعي في نصيبكم منها..

ولم يهمل الإسلام شأن النظافة بل جعلها من الإيمان ففي الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.. وعند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء أو رجلا كان يقم المسجد ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقيل مات فقال: ألا آذنتموني به، قال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليه. صححه الألباني وفي هذا الحديث لفتة كريمة منه صلى الله عليه وسلم إلى عظيم صنع ذلك الرجل أو الأمة وهو كناسة المسجد، وهكذا نظر الإسلام إلى ذلك العمل الجليل وفي كتاب الزهد لهناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن منذر أبي يعلي قال كان الربيع بن خثيم يكنس الحش بنفسه فقيل له في ذلك إنك تكفى هذا فيقول إني أحب أن آخذ بنصيبي من المهنة. فليس في رفع الأذى حرج، وما أجمل أن يتطوع المرء فيلقي ما يعترض طريقه من أذى فيؤجر على ذلك، ولا ينظر إليه أحد بعين الازدراء كما تقولين، وكذا أن يفعل ذلك ببيته أو مكتبه أو شارعه أو مسجده ونحوه .أما أن يخدم الكافر في تنظيف نفسه أو بيته فهذا من المهانة للمسلم والذلة له، ولا يجوز أن يكون كذلك مع الكافر؛ ولذا نص الإمام أحمد على حرمة خدمة المسلم للكافر، وعلل ذلك ابن قدامة رحمه الله تعالى فقال: ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله واستخدامه..بخلاف ما لو أجره على عمل معين في الذمة كخياطة ثوب ونحوه فهو جائز بغير خلاف..انتهى منه بتصرف. وانظري الفتوى رقم:29138، فلا حرج أن يعمل المسلم عند الكافر فيما لا ذلة فيه ولا مهانة، ويتفاوت ذلك بحسب العمل ونظرة المجتمع إليه وحاجة الشخص العامل نفسه.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني