الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكاليف البناء هل تدفع بقيمتها زمن البناء أم بسعر اليوم

السؤال

منذ عشر سنوات ساهمت مع أخي في بناء بيت ثم انقطعت فترة فأكمله أخي وعندما عدت طلبت من أخي أن أدفع له ما صرفه على البناء وأكمل ما بدأت به، فقال لا بد أن تدفع على الثمن الحديث وليس القديم لأن سعر الدينار تغير، فهل من حقه ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسواء كان هذا البيت ملكا لك أو كان مشتركا بينك وبين أخيك، وكان أخوك قد بنى ما بناه حال غيابك بخالص ماله بناء على أمرك له بذلك، فإن التكاليف التي أنفقت على البناء تكون كلها ديناً في ذمتك إن كان البناء ملكا لك، وبقدر نصيبك إن كان البناء مشتركا بينك وبين أخيك، والدين يرد بمثله فلا يحق لأخيك أن يطالبك بأكثر مما أنفق، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 34725، والفتوى رقم: 728.

وكذلك الحكم إذا كان البناء قد تم دون أمر منك لكنه قصد به مصلحتك ونوى الرجوع عليك بالكلفة، فقد صرح علماء المالكية في أكثر من موضع بأن للقائم عن الغير بواجب قدر ما أنفق، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مذهب مالك وأحمد بن حنبل المشهور عنه وغيرهما أن كل من أدى عن غيره واجباً فله أن يرجع به عليه إذا لم يكن متبرعاً بذلك وإن أداه بغير إذنه مثل من قضى دين غيره بغير إذنه سواء كان قد ضمنه بغير إذنه وأداه بغير إذنه أو أداه عنه بلا ضمان. انتهى.

أما إذا كان بناؤه في ملكك لنفسه فهو غصب، سواء كانت تملك البعض أو الكل، فقد اختلف العلماء فيما إذا بنى الشخص أو غرس في أرض مغصوبة هل يهدم البناء ويقلع الغرس أم لا؟ فقال الشافعية والحنابلة: يهدم ويقلع وعليه أجرة المثل وأرش النقص.

وقال المالكية: إن شاء المالك طلب الهدم وعلى الغاصب الهدم والتسوية، وإن شاء دفع للغاصب قيمة البناء والغراس منقوضا لا قائماً. وقال الحنفية: إن كانت قيمة الأرض أكثر من قيمة البناء أو الغراس فيهدم، وإن كان العكس فلا يهدم ويأخذ القيمة.

وقال بعض الحنفية: بل يأخذ المالك القيمة بكل حال، وهذا ما نرجحه ما لم يكن في بقاء البناء ضرر على المالك، لما فيه من المحافظة على الأموال من التلف مع الوفاء بحق المالك، والقيمة هنا هي القيمة الفعلية للبناء وقت البناء؛ لأن المال الذي أنفقه المتعدي يثبت دينا في ذمة المالك من وقت البناء لتعديه، ولا مجال للمعاوضة مع التعدي.

قال ابن قدامة في المغني: والحكم فيما إذا بنى في الأرض، كالحكم فيما إذا غرس فيها في هذا التفصيل جمعيه، إلا أنه يتخرج أنه إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء أجبر على قبولها، إذا لم يكن في النقض غرض صحيح، لأن النقض سفه. انتهى.

وقد نقل السرخسي في المبسوط عن ابن أبي ليلى ما يؤيد هذا الترجيح إجمالاً قال: وقال ابن أبي ليلى: البناء للمعير، ويضمن قيمتها مبنية لصاحبها، لأن دفع الضرر من الجانبين واجب، وإنما يندفع الضرر بهذا، وشبه هذا بثوب إنسان إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب الثوب أن يأخذه، فإنه يضمن للصباغ قيمة صبغه. انتهى، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57819، 65439، 7296.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني