الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعليق التميمة من القرآن

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر 26 عامًا، تعرضت منذ الصغر إلى أذى مستمر من السحر، والشعوذة من ناس قريبين مني (العم، والعمات)، وقد أوشكوا على أن يكونوا سببًا في ضياع مستقبلي؛ وذلك بسبب بغضهم، وحقدهم على أبي -رحمة الله عليه-، وذلك دون أي سبب من الأسباب، إلا الجهل، وعمى القلوب، فحاولت أنا وإخوتي الذهاب إليهم؛ للحفاظ على صلة الرحم، وامتصاص حقدهم، وبغضهم، وذلك مرات عديدة، والله من وراء القصد، ولكن ذلك تم دون جدوى، فقد أصروا على عنادهم، وكفرهم، بل لقد قام بعضهم بسب أخي الأكبر، وطرده من بيوتهم، واستمروا في الأعمال السفلية القذرة، واستمر ذلك أكثر من 20 عامًا حتى الآن، وقد تعالجت كثيرًا من ذلك بالقرآن، وأنا محافظ على الصلوات، ولكنهم يجددون هذه الأعمال بصفة مستمرة، وقد أثّرت على جميع جوانب حياتي؛ الأسرية، والخارجية مع الأصدقاء، والجيران و... علمًا أنني في مقتبل مستقبلي، وفي بحث مستمر عن عمل، فذهبت إلى أحد المعالجين، فعالجني بأمر الله، وكتب لي حجاب حفظ، وقال: احمله معك باستمرار، ففعلت وأنا المضطر، فشعرت فعلًا بالراحة، وقال لي: إن كان ذلك محظورًا، فإن الضرورات تبيح المحظورات، وسؤالي هو: رغم الراحة التي أشعر بها، هل يقع عليّ إثم، أو ذنب علمًا أني مضطر؟ وهل عدم ذهابنا إلى بيوت عماتنا، وعمنا المؤذي بعد قيامهم بطردنا، وإرسال أحد الجيران بعدم دخول بيت أحدهم، يعد قطيعة رحم؟ أفيدوني -أفادكم الله، وثبت خطاكم-، فإنني في حيرة من أمري -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل، وأن يحفظك من الحاقدين، والحاسدين، والمفسدين.

وفي جواب ما سألت عنه نقول:

أما بشأن سؤالك الأول: فإن كان الحرز الذي تحمله، فيه آيات من كتاب الله، وأدعية من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حلها خلاف، فذهب إلى جوازها جماعة من الصحابة، والتابعين، قال الإمام القرطبي في تفسيره: والقول الأول - بجواز التعليق - أصح في الأثر، والنظر -إن شاء الله تعالى-، وما روي عن ابن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه، غير القرآن أشياء مأخوذة عن العرافين، والكهان؛ إذ الاستشفاء بالقرآن -معلقًا، وغير معلق-، لا يكون شركًا، وقوله عليه السلام: من علق شيئًا، وكل إليه، فمن علق القرآن، ينبغي أن يتولاه الله، ولا يكله إلى غيره؛ لأنه تعالى هو المرغوب إليه، والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن، وسئل ابن المسيب عن التعويذ أيعلق؟ قال: إذا كان في قصبة، أو رقعة يحرز، لا بأس به، وهذا على أن المكتوب قرآن، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله، إذا وضعه عند الجماع، وعند الغائط، ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلّق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان. انتهى.

وقال الإمام النووي في المجموع: وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن، وقال: لا بأس به، قال البيهقي: هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف، أو على ما كانت عليه الجاهلية، من إضافة العافية إلى الرقى، لم يجز، وإن رقى بكتاب الله، أو بما يعرف من ذكر الله تعالى، متبركًا به، وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى، فلا بأس به. والله أعلم. انتهى.

وقال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح بعد أن ذكر أحاديث النهي عن تعليق التمائم: هذا كله في تعليق التمائم، وغيرها، مما ليس فيه قرآن، ونحوه. فأما ما فيه ذكر الله، فلا نهي فيه، فإنه إنما يجعل للتبرك به، والتعوذ بأسمائه، وذكره. انتهى.

وقال العلامة نور الدين بن عبد الهادي السندي في شرحه على النسائي: وأما ما يكون من القرآن، والأسماء الإلهية، فهو خارج عن هذا الحكم، بل هو جائز؛ لحديث عبد الله بن عمرو أنه كان يعلق على الصغار بعض ذلك. انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز التميمة إذا كان فيها اسم لا يعرف معناه؛ لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك، ولأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله، وبأسمائه.

أما إذا كانت التميمة، لا تشتمل إلا على شيء من القرآن، وأسماء الله تعالى وصفاته، فقد اختلفت الآراء فيها على النحو التالي:

ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأحمد في رواية إلى جواز ذلك، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، وحملوا حديث: إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك. على التمائم التي فيها شرك.

والرواية الأخرى عن أحمد حرمة التميمة، وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر، وابن حكيم، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس، وجماعة من التابعين، واحتج هؤلاء لما ذهبوا إليه بما يأتي:

1- عموم النهي في الأحاديث، ولا مخصص للعموم.

2- سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما اتفق على تحريمه.

3- أنه إذا علق، فلا بد أن يمتهنه المعلق؛ بحمله معه في حال قضاء الحاجة، والاستنجاء، ونحو ذلك.

وقال القاضي من الحنابلة: يجوز حمل هذه الأخبار المانعة على اختلاف حالين، فهي إذا كان يعتقد أنها النافعة له، والدافعة عنه، فهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله، والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع، والدافع، ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم، فكانوا يسبونه. انتهى.

وأما بشأن سؤالك الثاني، فنقول لك: إن كان أعمامك على ما ذكرت، فلا إثم عليك في قطعهم، والابتعاد عنهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني