الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرياضة البدنية ليست غاية أو هدفا في نفسها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد...
فقد قرأت العديد من الأسئلة حول اتخاذ الرياضة عملا فى الدنيا، وأريد أن أطرح بحث قد أجريته وأرجو تصحيحه إذا كان به خطأ ما، على الرغم من تعدد اهتمامات الأفراد واتجاهاتهم فإنها تندرج فى الإسلام تحت شعار واحد وهو، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:162)، هذا كلمات رسولنا صلى الله علية وسلم لقومه وهذا الشعار الذى رفعه رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) لكل مسلم يعمل على القيام بأي عمل فى حياته أو يهتم بأى شيء فى دنياه، ولعل يتساءل البعض كيف أجعل عملي أو اهتمامي لله تعالى، فلنتتبع سورة الأنعام وبعد آيات قليلة من نفس الآية المذكورة سابقا نجد أنه قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام165)، يتضح من هنا أننا نعيش فى الدنيا وقد جعلنا الله خلائف له عليها وهو لا يسألنا كم من أموال ربحناها ولكن هل أعمالنا واهتمامتنا جعلتنا خلائف الأرض، فما على الإنسان إلا السعى والعمل من أجل الله تعالى وأما من جاءه رزقه قليل أو كثير فهو فى الحالتين ابتلاء وامتحان لك حتى يراك الله كيف تتصرف فى كلا الحالتين (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) يدور فى ذهنك الآن.. ما هو العمل الذي يجعلنى خليفة الله على الأرض؟ قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين} (الذاريات: 56-57)، والعبادة المقصود بها هنا العبادة بمعناها الواسع بحيث يكون العمل الجاد الذي يتم أداؤه بإخلاص لله تعالى عبادة لله... هل تعرف لماذا؟ لأن مفهوم العمل فى الإسلام هو أنك خليفة الأرض وعليك رعايتها وأعمارها وتنميتها ويتبين ذلك من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ومن بينها: ما رواه البخاري عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه". وقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى". وقد قال عمر بن الخطاب: "السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر". فيحث الإسلام على العمل الجاد ويعتبره عبادة فهو جزء لا يتجزأ من الدين، فكل مسلم مطالب بأن يعمل ولو عملا يراه البعض بسيطا، ولكن إذا كان هذا العمل مخلصا لله فإنه عمل كبير عند الله تعالى.
العمل والإنتاج: كما ذكرنا أن أي عمل يجب أن يخلص لله تعالى ويراد به رضى الله وليس رضى الناس ومتعتهم كما يرى البعض فى بعض الأعمال أنهم خلقوا لمتعة الناس وأن هذا عمل، هذا بالتأكيد ليس بعمل مخلص لله... لأنه عمل لا يترتب علية إنتاج ولا تنمية من الفرد للأرض... ولكن الهدف منه مجرد التربح وكسب الأموال عن طريق متعة الناس، فالإخلاص فى العمل هو: إرادة الإنسان بعمله وجه الله تعالى وأن كل عمل أريد به غير وجه الله، فهو عمل حابط مردود، قال الله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} (هود:15-16)، وما الحياة بدون عمل منتج للأمة معمر للأرض إلا لهو ولعب وغفلة عن معنى وجودنا فى هذه الدنيا، قال الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (الأنعام:32)، إن الله لا يسألنا عن مقدار الأموال المكتسبة فى الدنيا من عملنا أو المرتبات التى يدفعها صاحب العمل للعمال أو الأموال التى ممكن أن تعود من عملك لباقي الأشخاص، أعلم أن ما سوف تسأل عنه هو ماذا كنت تعمل فى الدنيا.... ماذا صنعت فيها... ماذا أنتجت وأصلحت، هل صرفت الأموال فى العمل الصالح فحسب بل أيضا يسأل هل اكتسبت هذه الأموال عن عمل غايته إعمار للأرض كما أوضح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن عمله ماذا عمل فيه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن المشروع في الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أن يصلي عليه كما بين، ولك ان تراجع في ذلك فتوانا رقم: 7334.

ثم هذه الملاحظات التي أوردتها في بحثك تعتبر جيدة، ولا تتنافى مع ما نفتي به حول الرياضة، ذلك أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير... رواه مسلم من حديث أبي هريرة.

وقوة المؤمن مطلوبة بالدرجة الأولى في عقيدته وإيمانه، وفي جميع مجالات حياته، بما في ذلك قوة جسمه، وقد اهتم الإسلام بجميع جوانب الإنسان بروحه وبجسده، وشجعه على ممارسة الرياضة الذهنية والبدنية المضبوطة بالضوابط الشرعية، تحصيلاً للقوة وحفاظاً على الصحة.

ولكن الرياضة البدنية ليست هدفاً أو غاية في نفسها، بل هي وسيلة من وسائل القوة لحماية الدين ونصرة المسلمين وإنقاذ المستضعفين.... وإذا تحولت الرياضة البدنية إلى هدف في حد ذاته، أو شغلت عما ينفع المسلم في دينه أو دنياه، فقد تحولت عن المراد منها شرعاً، وينبغي للمسلم ألا يضيع فيها وقته حينئذ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني