الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدلة عقلية على العدل المطلق لرب البرية

السؤال

هذه الأسئلة كثيراً ما تتكرر، وأتمنى من الله أن أجد الإجابة الوافية، وشكراً جزيلا.
هل الأنبياء معصومون عن الخطأ، كيف يمكننا القول بالعدل الإلهي ونحن نشاهد الفروق والاختلافات في المخلوقات خاصة في البشر؟ فلماذا لم تخلق الأشياء متساوية ومتشابهة؟ وما هو سرّ اختلاف الناس في أذواقهم وأحاسيسهم ورغباتهم؟ أليس من الأفضل أن يمتلك الكلّ أعلى مستوى من القدرات الذاتية والقابليات والأذواق؟ كيف يتلاءم العدل الإلهي مع وجود المصائب والأمراض والكوارث الطبيعية (أمثال السيل والزلزلة) والمتاعب الاجتماعية (أمثال الحروب وألوان الظلم)، رغم أن الذنوب المرتكبة في الدنيا محدودة؟ فكيف يتلاءم ذلك مع العذاب الأبدي؟ وهل ينسجم ذلك مع العدل الإلهي؟ وإذا كانت الحكمة الإلهية تقتضيه لحياة الإنسان في هذا العالم، فلماذا يميته وينهي حياته؟ وهل البناء ثم التخريب يتلاءم مع الحكمة والعدل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن مسألة عصمة الأنبياء فيما يبلغون عن الله تعالى أمر متفق عليه عند أهل العلم، وأما عصمتهم من الوقوع في بعض صغائر الخطايا وكبائرها، فقد سبق أن بينا تفصيل القول فيها في الفتاوى التالية فراجعها: 6901، 25834، 48422.

وأما مسألة العدل الإلهي، فإنه من العجب أن يتكلم فيها رجل عاقل، ولا سيما إذا كان مسلماً، فكيف يمكن لعاقل أن يحاكم الله تعالى ويحاسبه ويتكلم في تصرفاته في ملكوته وينسى حكمته البالغة في تدبيره لخلقه، وأنه يخلق ما يشاء ويختار.

أما قرأت في القرآن أنه أحكم الحاكمين، وأنه لا يسأل عما يفعل، أما قرأت في أسمائه الحسنى أنه الحكم العدل اللطيف الخبير، أما علمت أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلاً لا يسمى جوراً، أما علمت أنه حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين العباد، فالواجب على المسلم أن يرضى بالله رباً ويؤمن بقضائه وقدره ويستسلم لحكمته وتدبيره، ويسأله العافية ويصرف عنه البلاء ويعالج ما حصل منه بكثرة الدعاء والعمل الصالح والبعد عن المعاصي.

وأما عن الخلاف بين أحجام الأشياء، فإن الله لا يجب عليه شيء في الأصل لمخلوقاته، فالاعتراض عليه بأنه لم يساوهم غير وارد، ولكنه سبحانه وتعالى رحيم بمخلوقاته، وهو أرحم بعباده من الأم بولدها، وهو أدرى بمصالحهم، وقد صورهم في أحسن صورة، خلقهم وسواهم وعدلهم في أحسن هيئة، وفي تفاوتهم في الرغبات مصالح كثيرة، من أهمها أنهم يتبادلون المنافع فيما يحب هذا يجده عند غيره في وقت يكون غيره قليل الرغبة فيه، ومنها أنهم لا يتنازعون في وقت واحد على شيء واحد، فاختلاف رغبات الرجال في مواصفات النساء، سبب السلامة من نزاع كثير من الرجال على امرأة واحدة، ومثله اختلافهم في البقاع، فبعضهم يحب أرضاً أو بلداً ما، والآخر لا يحبه.

واعلم أن الله تعالى قد أعطى الناس العقول والأسماع والأبصار والأبدان، وجعل هذه النعم قابلة للتنمية بحسب ما يعمل العبد من استخدامها وتمرينها، فالحمال بسبب كثرة قيامه بحمل الأمتعة يستطيع حمل الشيء الثقيل الذي لا يستطيع حمله غيره، والرياضي الذي يكثر عمل الرياضة يستطيع من الجري والقفز والحركات أكثر مما يستطيع غيره.

وأما الابتلاءات التي تحصل أحياناً، فإنها لا تنافي العدل، فهي إما أن تكون سبباً لتكثير حسنات المؤمن ورفع درجاته أو عقوبة للمجرم تكفر بها سيئاته إن كان مؤمناً، واعلم أن الذنب الذي يستوجب صاحبه الخلود في النار هو ذنب الشرك بالله، ومن العدل أن الله تعالى يعاقب من أنكر وجوده أو حقه في العبودية ولم يخضع له أن يعاقبه بالخلود في العذاب، وليست العبرة بمحدودية الذنب بل العبرة بعظمة من عصى وكفر به وجحد حقه اتباعاً للأهواء وطاعة للشياطين.

وأما إماتة الناس وإحياؤهم فهو من الابتلاء الذي جعله الله ليبلوا الخلق أيهم أحسن عملاً، وبموتهم ينتقلون من الدنيا القليلة الفاني نعيمها وعذابها إلى دار الأخرى الباقية العظيم نعيمها وعذابها، وينال كل جزاءه إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية: 8652، 51171، 59536، 2306، 12222، 8546، 2855، 5492.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني