الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من بنى بنيانا ووقفه على أنه مسجد وأراد الرجوع

السؤال

قام أحد الأشخاص ببناء مسجد على إحدى المساحات التى أورثها بل وكتب عليه من الخارج مسجد الصديق تمهيدا لافتتاحه, وفي المقابل قام أقاربه الآخرون ببناء مسجد ببقية ورثهم تمهيدا لضمهم مسجدا واحدا نظرا لمساحة كل واحد منهما الصغيرة واتفقوا على ذلك حتى أن الحائط بالدور الثاني خاص بالمسجد الأول حيث سيتم فتحهما على بعض من الدور الثاني فقط وباقي الأدوار سكن خاص لصاحبه بمدخل خاص - بل قام أصحاب المسجد الحالي بإفادة صاحب المسجد الأول أنه لا مانع أن يكون المسجد كله باسمه الأول كما اختاره ( مسجد الصديق )ولكن صاحبه بعد أن تم بناؤه وصلينا الآن في المسجد الآخر قام بإلغائه وحذف (يافطة) المسجد ومسحها من الخارج وقال لا أفتح المسجد طالما أقاربي عملوا مسجدا مجاورا لي على الرغم من أن المساحة صغيرة جدا وعلى 3 أدوار دور للوضوء ومصلى ثم مصلى الرجال بالدور الثانى ثم مصلى سيدات بالدور 3 وازدحمت الناس بداخله كل صلاة - وصاحب المسجد الآخر لم يرد فتحه لخلافات عائلية بينهم ورغم توسط الأهل والجيران إلا أنه لم يوافق لفتح المسجد على الآخر لتوسعته للمصلين _ بل قام بتأجير المكان ( وهو معد للصلاة ) لجمعية تنمية المجتمع بسعر رمزى سنويا لتفتحه دارا لتحفيظ القرآن الكريم - وتوسطنا له لافتتاحه مسجدا ويحفظ فيه كيفما يشاء - نظرا لصغر مساحة المسجد الذى نصلى فيه حاليا رغم الزحام الشديد والحمد لله من المصلين - ولكنه لم يستجب لنا جميعا ويصر على عدم فتح وتوسعة المسجد - رغم وعوده الدائمة من قبل بفتح الاثنين مع بعض خاصة الدور الثانى - مصلى الرجال - حيث جعل سقف المسجد بالدور الثانى موازيا تماما للمسجد الآخر حتى تكون مساحة مستوية تماما - ولكنه رفض نظير خلافات عائلية مع بعضهم رغم استعداد أصحاب المسجد الحالي له بكتابة مساحة هذا المسجد باسمه لضمه له ولكن دون جدوى - حتى إن المصلين في يوم الجمعه يفرشون الأرض للصلاة وبجوارهم الآخر معد للصلاة ولم يفتح لها أرجو الموعظة ونداء لهذا الشخص الذى يحتل مكانة علمية عالية حيث إنه دكتور بإحدى الجامعات المصرية - والمصلون على استعداد لتحمل تكلفة وفرش المسجد من جديد وتهيئته للصلاة حتى يوسع على المسلمين ؟ أفيدونا أفادكم الله .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أنه كان على أولئك الأقارب أن يتفقوا على بناء مسجد واحد يتعاونون جميعا في تشييده، أو ينفرد أحدهم بتعميره برضاهم جميعا؛ لأن ذلك أقرب إلى توحيد الكلمة وعدم شق العصا بين الإخوة.

ثم اعلم أن بناء المساجد من أفضل القرب. فقد قال عليه الصلاة والسلام: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة. رواه ابن ماجه وغيره.

وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن من بنى بنيانا وعينه للوقفية على أنه مسجد فلا يجوز له الرجوع عن فعله ذلك. قال ابن قدامة في المغني: فصل: وظاهر مذهب أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه، مثل أن يبني مسجدا، ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو مقبرة، ويأذن في الدفن فيها، أو سقاية، ويأذن في دخولها، فإنه قال: في رواية أبي داود، وأبي طالب، في من أدخل بيتا في المسجد وأذن فيه، لم يرجع فيه، وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس، والسقاية، فليس له الرجوع، وهذا قول أبي حنيفة، وذكر القاضي فيه رواية أخرى، أنه لا يصير وقفا إلا بالقول وهذا مذهب الشافعي. انتهى.

وقال الخرشي: والمعنى أن الوقف يصح ويتأبد بلفظ (حبست) على المشهور بالتخفيف والتشديد وما يقوم مقام الصيغة كالصيغة كما لو بنى مسجدا وخلى بينه وبين الناس ولم يخص قوما دون قوم، ولا فرضا دون نفل ويثبت، الوقف بالإشاعة بشروطها وبكتابة الوقف على الكتب إن كانت موقوفة على مدارس مشهورة وإلا فلا ويثبت أيضا بالكتابة على أبواب المدارس والربط والأشجار القديمة وعلى الحيوان.

وأما الشافعية فمذهبهم ينافي ما ذكر، وأن الوقف لا يصح إلا باللفظ. قال ابن حجر الهيتمي: (ولا يصح) الوقف من الناطق الذي لا يحسن الكتابة (إلا بلفظ) ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية فأمكن تنزيل النص عليها ولا كذلك الوقف فلو بنى بناء على هيئة مسجد أو مقبرة وأذن في إقامة الصلوات أو الدفن فيه لم يخرج بذلك عن ملكه. اهـ

وبناء على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، فالظاهر أن كتابة باني المسجد عليه من الخارج "مسجد الصديق" يفيد أنه يوقفه للصلاة، فليس من حقه بعد ذلك أن يصرفه إلى جهة أخرى، وخصوصا أنك ذكرت أنه يوجد زحام شديد لضيق المسجد الثاني.

وليعلم ذلك الشخص أن الشيطان عدو للإنسان؛ كما أخبر الله تعالى في كثير من الآيات. منها قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}.

وإذا علم المسلم ذلك وجب عليه بذل وسعه في محاربة الشيطان بكل ما يستطيع، لا أن يطيعه فيما يفسد عليه دنياه وآخرته ويحرمه من الأجر الكثير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني