الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يفعل مريض الهربس الذي أخفى مرضه عن أهله وزوجه

السؤال

إخوتي في الله، لقد عصيت الله فيما مضى وارتكبت فاحشة الزنا وأنا مسلم مصل ولكن زين الشيطان لي سوء عملي. بعد أن رجعت عما أنا فيه من عصيان عملت بعض الفحوصات وتبين أني مصاب بمرض جنسي معد (هربس). رغم أني أداوم على العلاج إلا أن المرض لم يتركني فالطب يقول إن هذا المرض لا علاج له حتى الآن. فيما بعد بدأت أتعرض لضغط عائلي كبير من أجل أن أختار شريكة حياة، حاولت التملص بالتعلل بعدم وجود دخل يكفيني. فبعد 5 سنوات من العمل خارج بلدي أصبح الضغط هائلا من أبوي حتى إن أمي أصبحت تبكي في كل مرة تفتح الموضوع معي لتعلم أن لا رغبة لي في الزواج... ازدادت المضايقات حتى أصبحت أني في موقف إما أن أتزوج أو أخبر أهلي بمرضي. وناهيكم رغبتي بالعصمة وما إلى ذلك من تداعيات.
لقد قمت بتأدية صلاة الاستخارة بإخلاص في النية قبل أن أخطب زوجتي وسألت الله أن يمنعني عنها وأن يمنعها عني إن كان في ذلك شر لأي منا. وعند الخطبة طلبت منها أن تقوم بصلاة الاستخارة قبل إعطائي الرد وكان الجواب أنها مرتاحة. زوجتي الآن حامل في الشهر السابع ونتيجة لضغوط نفسية عديدة عاودني المرض وبشدة. أنا الآن بين نارين: نار إخبارها بأمر قد سترني الله فيه ونار مواطئتي لزوجتي وضمان عدم حصول الجفاء والشقاق بيننا علما أن انتقال المرض إليها في مثل هذه المرحلة قد يؤدي إلى: موت الجنين، العمى، أو ولادته متخلفا عقليا. وماذا عن المستقبل فإن أمامنا حياة طويلة إن قسم لنا الله بذلك.
بناء على ذلك:
-1هل يجب أن أطلق زوجتي إن لم يكن حصل لها عدوى بعد؟
2-هل يجب أن أخبرها وأكون أمام موقف قد أفضح نفسي فيه مع أهلي وأهلها وقد سترني الله؟
3-أم أبقي الأمر سرا بيني وبين الله وأبقى أحاول التملص من معاشرتها كلما كان هناك فرص أكبر للعدوى؟
4-منذ بداية الحمل وإنا أحاول إقناع زوجتي باستخدام الواقيات الذكرية متعللا بالحفاظ على عدم نقل أي حساسية لها: وقريبا سوف تعلم ضعف حجتي وتزداد إصرارا على معرفة سبب ذلك.
5-إني ألزم الدعاء لي ولها وألزم الاستغفار فأفيدوني جزاكم الله عني وعن أمة المسلمين كل خير. هل أخبرها بما أنا فيه وأخاطر بالطلاق والعداء الاجتماعي إن هي لم تتحمل الخبر، أم أدع الأمر لله وآخذ بأسباب منع انتقال العدوى كلما ظننت أن العدوى على وشك الظهور.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد كان الأولى بك أن تخبر من أردت الزواج منها عند خطبتها حتى تكون على بينة من أمرها، فإن شاءت قبلت الزواج منك، وإن شاءت رفضت.

وبما أنك قد تبت واستخرت واستخارت السيدة فنسأل الله أن تجُبّ التوبة ما قبلها، ونرجو الله أن يكف بسبب التوبة ما كان يخاف من حصوله بسسب الذنب.

وبناء عليه فإنا ننصحك بستر نفسك وإبعاد هذه المخاوف عن نفسك.

وتذكر أن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{القمر:49}، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن: 11}. وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.

وفي صحيح مسلم أيضا عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

فينبغي أن تعيش بهذه العقيدة شجاعا واثقا بأن الله تعالى مقدر الأرزاق والآجال، مستحضرا قوله سبحانه: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ {التوبة:51}.

واعلم أن الله رحيم بعباده لطيف بهم حكيم فيما يقدره لهم، فاصبر على ما قدره لك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

ونوصيك بمواصلة استعمال العلاج والدعاء بالشفاء، والدعاء للأهل بالحفظ، وتوصيتهم بالتحصينات والتعاويذ المأثورة، وأن يصرف عنكم الشر، وتحر في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، كثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الصيام وعند الفطر في اليوم الذي تصوم فيه، فالدعاء من أعظم أسباب الدواء والوقاية، فإن الدعاء يرفع البلاء وينفع مما نزل ومما لم ينزل، كما يدل له دعاء القنوت في السنن وصحيح ابن حبان وفيه: وقنا شر ما قضيت. وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي، وفي الحديث: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وحسنه الألباني.

ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.

فواصل البحث عن أسباب الشفاء، فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله، ففي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.

وعليك بالإكثار من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا؛ كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد فقد قال في كلامه على الفاتحة: ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مرارا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع.

واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 34521.

وعليك بالإكثار من الصدقات على المحتاجين وتفطير الصائمين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك بإذن الله، وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ.

قال: البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله -رحمه الله- فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين.اهـ

وعليك بالحفاظ على أذكار الصباح والمساء، وسؤال الله العافية، فحافظ على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلات مرات مساء وصباحا. ففي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.

واحرص على تكرار حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات عند المساء والصباح، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناوؤط.

وواظب على صلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث القدسي: يا ابن آدم: صل أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني. وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.

وواظب على الأدعية المأثورة في رفع البلاء والدعاء بالاسم الأعظم ودعاء يونس فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات، ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، ويشفي ويذهب البأس، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.

وفي مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. صححه الحاكم ووافقه الذهبي و الألباني.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. والحديث رواه الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجه من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا.

وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.

وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

هذا وننصحك بعدم الوطء في هذه الفترة ويمكن أن تبرر للزوجة أن الحامل في أشهرها الأخيرة ذكر بعض الأطباء انه يحسن ترك وطئها، وإذا وضعت يمكن ترك وطئها مدة الرضاع، وعلل لها انك لا تحب الحمل حتى يكمل الرضيع حولين، وإذا فطم الولد فيمكن وطؤها في الوقت الذي يسكن فيه المرض، وتترك الوطء في الوقت الذي يهيج فيه، فقد ذكر بعض المتخصصين أن هذا المرض ينتقل بالعدوى المباشرة بعد تماس صميمي حال فورة المرض وظهوره، لا حال غياب المرض وسكونه وهجوعه في الغالب.

واحرص على إمتاع الزوجة بالمداعبة والمؤانسة والإحسان إليها واحترامها وراجع بعض الاستشارات الطبية الموجودة بالموقع، ويمكنك تصفحها عندما تبحث عن كلمة هربس في بحث الاستشارات الموجود بالصفحة الرئيسة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني