الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحذير من رد السنة بحجة الاكتفاء بالقرآن

السؤال

هل هناك مذاهب أو آراء أو أقوال لعلماء أو مفكرين ترى أن القرآن الكريم هو مصدر التشريع وهو قاض ومهيمن على جميع المصادر الأخرى بما فيها السنة المطهرة . وهل على المسلم حرج إذا اعتقد بأن الله تعالى وحده هو المشرع وأن الله سبحانه قد أنزل كتابه كاملا ومحكما وأن وظيفة الرسل تنحصر في البلاغ وشرح وبيان الأوامر والأحكام ، لكنهم لا يشرعون ولا يضيفون ولا يحذفون " ينسخون " أحكاما أنزلها الله تعالى المتصف بصفات الكمال والمنزه عن كل نقص .
وهل يتأثر إسلامي إذا كنت لا أؤمن بأن السنة المطهرة " باستثناء ما يتعلق منها بالأوامر والأحكام الواردة في القرآن " هي الوحي الثاني بعد القرآن ، وكيف يمكنني الإيمان بذلك والمحققون لا يزالون حتى اليوم يحققون في تلك الأحاديث وما يراه هذا العالم صحيحا يراه الآخر غير صحيح وذلك لاختلافهم في الحكم على الرواة فمن يراه هذا العالم عدلا يراه الآخر مجروحا ، مما يجعلني في النهاية أمام شرائع متعددة .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن آمن بالقرآن مصدرا للتشريع اقتضى منه ذلك بالضرورة الإيمان بالسنة المطهرة، واعتبارها مصدرا للتشريع أيضا؛ وذلك لأن في نص القرآن التصريح بأن السنة من الوحي، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المبين لما جاء مجملا في القرآن، وأن المرء لا يعتبر مؤمنا إلا إذا صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل صغير وكبير أخبر به، وحصلت له الطمأنينة بذلك، وأن من الواجب امتثال ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتناب ما نهى عنه. يقول الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى لنجم:3-4}. ويقول مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:44}، ويقول جل من قائل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65}. وهذا الخطاب أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم. ويقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ........{الحشر:7}.

والخطاب هنا لجميع من آمن بهذا الكتاب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن آمن بكتاب الله تعالى لا بد أن يؤمن بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الآيات وما أشبهها تدل بوضوح على وجوب الأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من لم يأخذ بها وزعم أنه يؤمن بكتاب الله تعالى فقد آمن ببعضه وكفر ببعض.

وقد وبخ الله في القرآن الكريم قوما يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فقال جل وعلا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {البقرة: 85}

وجاء في السنة المطهرة التحذير من رد سنته -صلى الله عليه وسلم- بحجة الاكتفاء بالقرآن، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه. رواه أبو داود، وأحمد بلفظ: ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ورواه أيضا البيهقي في دلائل النبوة.

من هذه النصوص –وغيرها كثير- يتبين لك أن الاكتفاء بالقرآن دون السنة يعتبر ضلالا مبينا، وأنه لا يمكن أن يقول به أحد من المسلمين. ومن لم يؤمن بالسنة المطهرة وأنها تستقل بالتشريع فإنه ليس من جملة المؤمنين، والعياذ بالله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني