الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يجوز للجنب الاستماع إلى القرآن؟ أفيدونا بارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :

فإن العلماء ذكروا أشياء تحرم على الجنب، بعضها متفق عليه والبعض الآخر مختلف فيه، وليس منها الاستماع إلى تلاوة القرآن، ومن هذه الأشياء الممنوعة على الجنب:
أولاً: الصلاة، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة:6] .
ثانياً: الطواف، لحديث ابن عباس عند الترمذي وغيره مرفوعاً "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام؛ فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير".
ثالثاً: مس المصحف، لما في الموطأ أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لـ عمرو بن حزم: "ألا يمس القرآن إلا طاهر". وهو ما عليه الجمهور خلافا للظاهرية.
ومما يتصل بمس المصحف، مس كتب التفسير، فيحرم عند الحنفية لأنه يصير بمسها ماساً للقرآن، وهو قول ابن عرفة من المالكية، والعبرة عند الشافعية في تحريم مسها بكثرة القرآن عن التفسير المكتوب معه، فإذا كان التفسير أكثر من القرآن فلا يحرم، وأجاز المالكية والحنابلة مسها، لأنه لا يقع عليها اسم المصحف.
رابعاً: قراءة القرآن، لحديث علي في المسند قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا. والجمهور من المذاهب الأربعة وغيرهم على منع القراءة للجنب، وذهب بعض أهل العلم إلى جوازها.
خامساً: المكث في المسجد لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا{النساء:43}، والمعنى لا يقرب الجنب مواضع الصلاة لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد، لحديث عائشة عند أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب. وهذا الحديث ضعفوه كما قال الخطابي.
لكن يجوز العبور من المسجد لقوله تعالى:ولا جنباً إلا عابري سبيل وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ومنعه الحنفية وهو المذهب عند المالكية إلا بالتيمم.
سادساً: ويحرم على الجنب كتابة القرآن عند المالكية، وهو وجه عند الشافعية -وهو الراجح- لأن كتابة الحروف تجري مجرى القراءة، قال محمد بن الحسن : "أحب إلي أن لا يكتب" انتهى.
7-ويحرم على الجنب مس الدراهم التي عليها شيء من القرآن، عند الحنفية وفي وجه عند الشافعية والحنابلة، لأن الدراهم كالورقة التي كتب فيها قرآن، وأجاز ذلك المالكية، وهو الأصح عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، -وهو الراجح- لأنه لا يقع عليها اسم المصحف فأشبهت كتب الفقه، ولأن في الاحتراز من ذلك مشقة، والحاجة إلى ذلك، والبلوى به عامة فعفي عنه.
8-ويحرم على الجنب حمل القرآن إلا إذا كان بأمتعته، والأمتعة هي المقصودة بالحمل، أو كانت هناك ضرورة لحمله كالخوف عليه من السرقة أو أن تمسه نجاسة أو غير ذلك.
وأجاز الحنابلة حمله بعُلاقة، قال ابن قدامة في المغني: يجوز حمل المصحف بعلاقته، وهذا قول أبي حنيفة ، وروي ذلك عن الحسن وعطاء وطاووس والشعبي والقاسم وأبي وائل والحكم وحماد لأنه غير ماس له، كما لو حمله في رحلة انتهى.
أما الاستماع إلى التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والأدعية وقراءة الأحاديث النبوية فلا باس بذلك كله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر على الله كل أحيانه.
والحاصل أن للأخ السائل أن يستمع إلى التلاوة على كل حاله، وأن يذكر الله تعالى بالتهليل والتسبيح والتكبير ويقرأ الأحاديث.
و الله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني