الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أداء حقوق الوالدين المتخاصمين.

السؤال

إخوتي في ركن الفتاوى أتمنى أن تردوا على اسئلتى هذه بأسرع وقت ممكن علماً بأنني في حيرة من أمري و الله , أنا مرأة متزوجة والداي مطلقان منذ كان عمري سنة عشت مع أمي و جدي و لم أعش أبداً مع أبي و لم يقدم لي أبي أي يد عون و حتى النفقة لم يصرفها علي يعني لم أر يوماً واحداً جميلاً معه تزوج بإمرة أخرى و أنجب أبناءً و عشت كالغريبة أزورهم مرة بعد مدة و لكن أمي كانت هي منقذي من هذه الحياة كانت كل شئ لي كانت و لازالت تقدم لي يد العون حتى و أنا متزوجة تقدم لي و لزوجي كل شئ الحب و الحنان و المال و السفر و الجاه و كل شئ ، فهي لا تبخل علي بشيء تعطيني كل شئ و لا تأخذ منى شئاً تعطيني الحب و لكنني بخيلة عليها بالحنان ولا أدرى لماذا أعاملها هكذا إنني قاسية جداً معها و الله هذا شئ خارج عن إرادتي ، و لا أدرى لماذا إنني لا أزورها إلا بعد أسبوع أو أسبوعين و لا اشكرها عندما تقدم لي شئاً و لا أساعدها لا أدرى لماذا أنا قاسية معها و مع كل هذا والدي لم يعاملني جيداً و لم يأتي لزيارتي و أنا في منزل أمي إلا نادراً و لم أتذكر يوماً دخل و معه نقود أو هدية عموماً لم يتتبع دراستي و لم يفعل لي أي شئ في حياتي سوى أن اسمه مقرون باسمي فقط …. و مع هذا تحملت حتى جاء موعد الفرح و لم يحضر عقد القِرَان و لم يأت أبداً و لم يشارك أبداً فأعلنت عليه المقاطعة و لم أزره أبداً لمدة 5 سنوات مع العلم إنني علمت انه تم بتر ساقيه الاثنتين و مع هذا لم أزره فسؤالي المحدد هو ماحكم الشرع في كل هذا أرجو التوضيح كذلك ما هو الحل المناسب لي هل الذهاب له والزيارة أم الامتناع عنه و نسيان انه لدي أب في هذه الدنيا ؟ مع العلم أن أمي أنذرتني وقالت : لو ذهبت لوالدك سوف أتركك أي أنها سوف تنساني و هذا تهديد صريح منها لي و أنا متأكدة أنها ستفعل لو علمت أنني أزوره أو حتى أكلمه فما الحل أرجوكم ما رأيكم بموقف أمي ؟ هل هي على صواب أم لا ؟ و ما هو الصواب في نظركم ؟ إنني و الله حائرة و تعبانة و أريد معرفة وجهة نظر الدين في مشكلتي و جازاكم الله ألف خير

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فيجب عليك أن تبرى أبويك وتعامليهما معاملة حسنة ، ويحرم عليك أن تقاطعيهما أو تسيئي إليهما ، ولو أساءا إليك وإن فرطا فيما أوجب الله عليهما من حق لك ، فلا تفرطي في حقوقهما عليك ، فإن الله تعالى أوصاك بهما آكد الوصية ، وأمرك بالإحسان إليهما على كل حالٍ ، ومعاملتها بالمعروف حتى ولو كانا غير مسلمين.
قال الله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ). [ النساء: 36].
وقال تعالى : (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقُل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيراً ). [الإسراء : 23-24].
وقال تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه ، حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ).[ لقمان : 14 - 15].
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على برّ الوالدين وعلى برّ الأم خصوصاً في أحاديث كثيرة مشهورة منها ما في الصحيحين عن ابن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى قال: "الصلاة على وقتها " قلت: ثم أيّ ؟ قال: " برّ الوالدين " قلت: ثم أي ؟ قال: " الجهاد في سبيل الله".
وفيهما أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: " أمك" قال: ثم من؟ قال : " أمك" قال: ثم من؟ قال: " أبوك ".
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين أشد تحذير حيث قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً ، قلنا: بلى يا رسول الله ، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئاً فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت . والحديث متفق عليه.
إذا علمت هذا فعليك أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله تعالى في معالجة مشكلتك هذه وفق شرع الله تعالى.
وعليك أن تبري أمك غاية البر وتحسني إليها غاية الإحسان وتطيعيها فيما ليست فيه معصية لله تعالى كمقاطعة أبيك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وحاولي أن تقنعيها أن لأبيك عليك حقاً يجب عليك القيام به ، وأنه يحرم عليك قطع رحمه ولو قطعك ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال: نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى ، قال: فذلك " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إقرؤا إن شئتم: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ). [ محمد 22-23].
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" . أخرجه البخاري.
وعليك أن تصلي أباك بالقول والفعل امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقدمي له بعض الهدايا المناسبة ولو قلت.
واسأل الله تعالى أن يشرح صدوركم جميعاً للحق وأن يؤلف بين قلوبكم .
والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني