الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المتزوجة من رجل دخل في الإسلام ولم يلتزم بشيء منه

السؤال

امرأة مسلمة متزوجة منذ سنوات من رجل إنجليزي، أشهر إسلامه قبل زواجه منها، ولكنه لم يلتزم بتعاليم الإسلام، ولم يصلِّ ولو مرة واحدة، بل لم يدخل مسجدًا في حياته، ويرفض مصاحبتها للحج، فهل هذا الزواج حلال أم حرام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آل،ه وصحبه، أما بعد:

فالكافر إذا نطق بالشهادتين، إما أن يكون ذلك على سبيل الإخبار، أو على سبيل الالتزام بالإسلام وشرائعه.

ولا شك أن الشهادة على سبيل الإخبار، لا تنفع صاحبها، ولا تثبت له حكم الإسلام في الدنيا، ولا النجاة في الآخرة؛ لأنها مجرد إخبار لا فائدة منه، وقد شهد كثير من أهل الكتاب (اليهود، والنصارى)، والمشركين للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، لكنهم لم يتبعوه، فلم تنفعهم هذه الشهادة، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: (زاد المعاد): ومن تأمل ما في السير، والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب، والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام، علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة، والإقرار فقط، بل المعرفة، والإقرار، والانقياد، والتزام طاعته، ودينه ظاهرًا وباطنًا. وقال ابن القيم بعدما ذكر شهادة بعض المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وشهادة هرقل بذلك، وبعض اليهود حينما سألوه صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات البينات، فأخبرهم بها، فقبلوا يده، وقالوا: نشهد إنك نبي!. قال: "فما يمنعكم من أن تتبعوني؟" قالوا: إن داود -عليه السلام- دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخشى إن اتبعناك أن تقتلنا يهود: فهؤلاء قد تحققوا نبوته، وشهدوا له بها، ومع هذا فآثروا الكفر، والضلال، ولم يصيروا مسلمين بهذه الشهادة... إلى أن قال: وعلى هذا؛ فإنما لم يحكم لهؤلاء اليهود، الذين شهدوا له بالرسالة بحكم الإسلام؛ لأن مجرد الإقرار، والإخبار بصحة رسالته، لا يوجب الإسلام، إلا أن يلزم طاعته، ومتابعته، وإلا فلو قال: أنا أعلم أنه نبي، ولكن لا أتبعه، ولا أدين بدينه، كان من أكفر الكفار، كحال هؤلاء المذكورين، وغيرهم. وهذا متفق عليه بين الصحابة، والتابعين، وأئمة السنة؛ أن الإيمان لا يكفي فيه قول اللسان بمجرده، ولا معرفة القلب مع ذلك، بل لا بد فيه من عمل القلب، وهو حبه لله، ورسوله، وانقياده لدينه، والتزامه طاعته، ومتابعة رسوله، وهذا خلاف من زعم أن الإيمان هو مجرد معرفة القلب، وإقراره، وفيما تقدم كفاية في إبطال هذه المقالة... انتهى من مفتاح دار السعادة.

وبناءً على ما تقدم؛ فإننا نقول: هذا الزواج باطل؛ لأنه بين امرأة مسلمة ورجل كافر، لم يدخل الإسلام أصلًا، بل هو ما يزال على كفره، وضلاله، حيث لم يلتزم بأحكام الإسلام، وفرائضه.

ويجب على هذه المرأة مفارقته فورًا؛ لإجماع المسلمين على بطلان زواج المسلمة من كافر، كما يجب عليها عدم تمكينه من نفسها، وإلا وقعت في الزنى -عياذًا بالله-، وعليها أن تستعين بمن يستطيع تخليصها من الزواج الباطل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني