الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم منع السائلين عن السؤال في المساجد

السؤال

يا شيخ هل يجوز لإمام الجامع أو لأحد المصلين منع المتسولين الذين يقومون بعد الصلاة مباشرة بالتسول حيث في ذلك إزعاج للمصلين ؟ وحيث إن قضية المتسولين هنا في اليمن اصبحت فاشية في جميع المساجد وفيها إزعاج كثير للمصلين ؟ وماذا عن الآية وأما اليتيم فلا تقهر. أرجو منكم كتابه اسم المفتي والإجابة بالتفصيل لكي أقوم بتعليق هذه الفتوى في بعض المساجد هنا في صنعاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الشروع في الجواب على السؤال ننبه إلى حُرمة المسألة من غير حاجة، والتي تكاثرت النصوصُ في النهي عنها والتحذير منها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم. متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر. رواه مسلم.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

قال أبو حامد الغزالي في الإحياء: السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة، فإن كان عنها بدٌ فهو حرام. انتهى.

فإذا عُلمَ من حال هؤلاء السؤّال أنهم يسألون من غير حاجة ، أو كانوا يستطيعون التكسب ، ولكنهم يتركونه اعتماداً على ما يأخذونه من المسألة المحرمة، فمنعهم من المسألة في المسجد مشروع، لما فيه من النهي عن المنكر ، وكذا إذا كانوا يسألون لحاجة، وكان في سؤالهم تشويشٌ على المصلين وإزعاج لهم ، فإنهم يمنعون من المسألة والحال هذه، لأن حق المصلين مقدم، وقد سئل شيخ الإسلام عن السؤال فى المسجد فقال:‏ أصل السؤال محرَّم فى المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كانت ضرورة وسأل فى المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز. انتهى نقلا عن غذاء الألباب للسفاريني.‏

ولا يُنافي هذا قوله تعالى :{ وأما السائل فلا تنهر } لأن السائل الذي نُهي عن نهره ، هو من سأل مُحتاجاً

قال الطبري: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته. انتهى

ثم إن منعهم من المسألة في المسجد لا يستلزم نهرهم ، بل يمكن أن يمنعوا برفق ، ويُردوا رداً جميلاً.

قال القرطبي: وأما السائل فلا تنهر، أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رُدَّه ببذلٍ يسير، أو ردٍّ جميل. انتهى.

فإذا خلا سؤال السائلين في المسجد عن المحاذير المذكورة، فقد نص العلماء على كراهته، وإن كان إعطاؤهم قُربة يُثابُ عليها، وأما الكراهة ، فلعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : فإن المساجد لم تُبنَ لهذا. أخرجه مسلم.

قال السيوطي رحمه الله : السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حراما، هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث ، أما النقل فقال النووي في شرح المهذب في باب الغسل : فرع لا بأس بأن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها. رواه أبو داود بإسناد جيد - هذا كلام شرح المهذب بحروفه ، والحديث الذي أورده فيه دليل للأمرين معا أن الصدقة عليه ليست مكروهة ، وأن السؤال في المسجد ليس بمحرم لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بأخبار الصديق ولم ينكره ، ولو كان حراما لم يقر عليه بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال في المسجد ، وبذلك يعرف أن النهي عن السؤال في المسجد إن ثبت محمول على الكراهة والتنزيه. انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني