الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قاعدة الغاية تبرر الوسيلة ليست صحيحة بإطلاق

السؤال

ما هو الفرق في المعنى بين القاعدة الأصولية (الضرورات تبيح المحظورات) ومقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، وما هو تعريف الضرورة، وما هي الحوادث التي تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم "الضرورات تبيح المحظورات" ولم يستخدم "الغاية تبرر الوسيلة" أو بكلمات أخرى كيف استنبطت القاعدة وحرم كلام ميكافيلي مع العلم بأني استفهم ولا أساوي بين رسول الله وميكافيلي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالقاعدة التي تقول الغاية تبرر الوسيلة غير صحيحة بإطلاق، بل لا بد لصحتها من قيدين:

القيد الأول: أن تكون الغاية مشروعة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

القيد الثاني: أن يكون ضرر الوسيلة المحرمة التي توصل إلى تلك الغاية المشروعة أقل من مصلحة الغاية المتحققة بها لا أكثر ولا مساويًا، فإذا تحقق هذان القيدان في هذه القاعدة صارت مساوية لقاعدة "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، ومثال ذلك: الكذب مفسدة، ولكن إن تضمن مصلحة تزيد على الكذب جاز كالكذب للإصلاح بين الناس؛ لأنه سبب لحقن الدماء واجتماع المسلمين وإعادة الألفة والمودة بينهم، وغير ذلك.

أما إذا كانت الغاية والوسيلة متساويتين في المفسدة؛ فهنا تأتي قاعدة أخرى وهي: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". أو قاعدة: "الضرر لا يزال بمثله أو بأعظم منه"، مثال ذلك حرمة الإقدام على قتل شخص لحفظ النفس؛ لأنه ليست نفسه بأولى من نفس أخيه المسلم، وهذه المسائل دقيقة، والذين يحددونها هم الراسخون في العلم، ولذلك قيل: ليس الفقه معرفة الحلال من الحرام فقط، ولكن الفقه هو معرفة خير الخيرين فيرتكب أعلاهما وشر الشرين فيرتكب أخفهما.

وأما قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات" فهي قاعدة شرعية دل عليها قول الله جل وعلا: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]، ومعناها واضح، وهو: أن المسلم إذا اضطر إلى شيء بحيث لو لم يتناوله لهلك أو هلكت بعض أطرافه جاز له أن يفعله ولو كان محرمًا، مثال ذلك: أن لا يجد إنسان طعامًا حلالاً ووجد ميتة؛ فإنه يجوز له أن يأكل منها بقدر ما يسد حاجته؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها. والفرق بين هذه القاعدة الشرعية وبين قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة" واضح، وذلك أن القاعدة الثانية لا تقصر ممارسة المحرم عند الضرورة لتحقيق الغاية، بل ما دامت الغاية حميدة في نظر واضعهما وأتباعه، فإنها تبرر له ممارسة الوسيلة المحرمة ولو كانت مفسدتها تساوي أو تربو على مصلحة الغاية، وعليه فالقاعدة الشرعية مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأما المقولة المنسوبة إلى ميكافلي فهي مطلقة ولا انضباط لها بالشرع الحنيف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني