الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ أجرة على إشغال المكان

السؤال

أعمل في الإحصاء في شركة ميناء، والمدير يعطيني أحيانا أعمالا أخرى، والعمل الأخير يتمثل في تركيب جداول لإحصاء أرباح الشركة في فرضها ضرائب على استغراق السفن أماكن الرصيف بالشركة وآلاتها وعمالها والبضائع وكل ما يشبه ذلك، فهل منه ما هو حرام؟ وكيف أستطيع التمييز بين الحرام والحلال في هذا الحال؟ لأنني أشكك في كل شيء وأخاف كثيرا من أكل المال الحرام وأوسوس دائما بإتلاف كل مالي بالرغم من أنني محتاج حاجة عظيمة إلى الزواج، لأن شهوتي بلغت القمة فلا أكاد أسمع أو أرى امرأة إلا وافتتنت بها فتنة شديدة حتى إذا قمت بغض البصر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يظهر من السؤال أن راتب السائل ليس له علاقة ابتداء بهذه الأعمال الإضافية التي يأمره بها مديره، وعلى ذلك فلا يصح أن يصل الأمر بالسائل إلى أن يشك في كل شيء ويصل به الوسواس إلى الرغبة في إتلاف ماله كله!! وقد تبين لنا من الأسئلة السابقة للسائل أنه يعاني من وساوس شديدة ومربكة حتى في عباداته، فعليه أن يهوِّن على نفسه وأن يطرح ذلك عن نفسه ولا يسترسل معه، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي والضيق والحرج الشرعي، ثم إن ما سماه السائل ضرائب على إشغال السفن أماكن الرصيف بشركته وآلاتها وعمالها والبضائع وغير ذلك ... الظاهر أن هذا لا حرج فيه، فهو من باب الأجرة على شغل هذه الأماكن واستعمال هذه الآلات، وليس من باب جباية الضرائب العامة، وأما حاجته إلى الزواج فهذا أمر جبلي فطري، فإن لم يكن مستطيعا للباءة فعليه أن يحسن الإقبال على الله تعالى الذي بيده مفاتيح الفرج وأسباب الغنى، فاستعن بالله تعالى وأحسن به الظن، واصدق في التوكل عليه، وأسرع بالإنابة إليه، وألح بالدعاء عليه فإنه غني كريم، رءوف رحيم، وهو على كل شيء قدير، وأمره بين الكاف والنون: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس: 82}.

وهو القائل سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

قال السعدي: من دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به الموجب للاستجابة. اهـ.

وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ـ وأحمد، وصححه الألباني.

ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني.

وكم قد عرفنا من شباب المسلمين من كان لا يجد سبيلا إلى الزواج فاستعف وصبر وأنزل حاجته بالله تعالى فأغناه الله من فضله، وقد قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.

وإلى أن يأذن الله لك بالفرج القريب ـ إن شاء الله ـ فعليك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني