الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

سؤالي يتعلق بالحج وأعتذر مسبقا للإطالة لأهميتها لغرض شرح الموضوع بدقة أكرمنا الله تعالى بالحج سنة 1423 هجرية أنا ووالدي ووالدتي علما أن عمر والدي حينها كان 73 سنة ويستخدم العصا أثناء المشي سافرت أنا من النرويج حيث أعيش وسافر أهلي من العراق حيث يعيشون والتقينا في مكة بقيت أنا مع أهلي في الفندق الذي يقيمون فيه في مكة إلى غاية يوم التروية 8 ذي الحجة حيث ذهبت أنا مع حملة النرويج إلى منى وذهب أهلي مع حملة العراق إلى منى ولم ألتق بهم في منى يوم التروية ولا في عرفات ولا في المزدلفة يوم 9 ذي الحجة ثم رجع كل منا مع حملته إلى منى يوم النحر 10 ذي الحجة وأديت أنا أعمال يوم النحر من رمي وذبح وتقصير مع حملتي وأدى أهلي ذلك مع حملتهم علما أن والدي ووالدتي قد وكلوا من رمى عنهم لصعوبة ذلك عليهم بسبب التدافع والزحام الشديدين يوم النحر والتقيت مع أهلي يوم 10 ذي الحجة مساء أي ليلة 11 ذي الحجة حيث ذهبت الى مكان خيمهم في منى وبقيت معهم إلى قبيل الفجر واتفقنا على أن يذهب كل منا مع حملته صباح يوم 11 ذي الحجة أول أيام التشريق إلى مكة لأداء طواف الإفاضة ثم نعود كل مع حملته إلى منى وينتظروني حتى أذهب لهم في مكان خيمهم في منى لنذهب معا لأداء الرمي الخاص بأول أيام التشريق وفعلا أديت أنا طواف الإفاضة وعدت إلى منى وذهبت إلى مكان خيم أهلي بعد المغرب وتفاجئت بعدم وجود والدي ووالدتي وأخبرني رفقاؤهم بالحملة بالاتي أنه أثناء طواف الإفاضة شعر والدي بالتعب فاتفقت معه والدتي على أن يذهب وينتظرها في مكان اتفقوا عليه قرب أحد أبواب الحرم وتكمل والدتي الطواف مع رفقائهم ثم بعد إكمالها الطواف تعود إليه لتساعده على أداء طواف الإفاضة وفعلا أكملت والدتي طواف الإفاضة وذهبت إلى والدي في المكان الذي اتفقوا عليه ولكنها لم تجده وكان معها نائب رئيس حملتهم وعاد رئيس الحملة مع باقي الرفقاء إلى منى وبقيت والدتي ونائب رئيس الحملة في مكة للسؤال عن والدي في المستشفيات وباقي الأماكن المحتملة بالتنسيق مع الأجهزة المسئولة في الحرم ومكة هذا هو كل ما أخبرني به رفقاء أهلي في منى فبقيت أنا في مكان خيم أهلي في منى بانتظار عودة والدي ووالدتي وفي وقت متأخر قبل منتصف الليل حضرت والدتي مع نائب رئيس الحملة وواضح عليهم التعب الشديد ولم يكن والدي معهم وبعد أن ارتاحت والدتي أخبرتني بأنهم سألوا وفتشوا في أماكن كثيرة دون جدوى وعادوا إلى منى عسى أن يجدوا والدي في منى وقد أعادته الكشافة إلى منى ولكن هذا لم يحدث مع الأسف وبعد أن ارتاحت والدتي وكان قد أنهكها التعب والجوع قررنا أن نذهب أنا وهي إلى مكة للتفتيش مرة أخرى ولا أذكر متى كان هذا هل قبل أم بعد منتصف الليل وذهبت أنا ووالدتي أولا إلى مكان خيمة حملتي في منى وأخبرت رئيس الحملة بالأحداث التي حصلت مع أهلي وأعطيته حصى الرمي الخاص بأول أيام التشريق وطلبت منه أن يرمي عني وعن والدي ووالدتي ووعدنا بذلك علما أنه أيضا إمام أحد المساجد في أوسلو وذهبت أنا ووالدتي إلى مكة وكان الزحام شديدا وسألنا في شرطة الحرم والمستشفيات وأماكن أخرى دون جدوى وقررنا العودة إلى منى عسى أن نجده قد عاد إلى منى وكان هذا ظهرا وأثناء العودة كان الزحام شديدا جدا بحيث إن السيارة التي أقلتنا لم تصل إلى منى إلا عند المغرب وذهبنا مباشرة إلى مكان خيم أهلي وتفاجأنا بأن الخيم فارغة وصعقنا حين أخبرنا الكشافة هناك بأن الذين كانوا في هذه الخيم قد عادوا إلى فندقهم في مكة بعد العصر وذهبنا فورا إلى مكان خيم حملتي وكانوا موجودين هناك بنية المبيت في منى وأخبرت رئيس حملتي بالأحداث التي مرت معنا وطلبت منه أن يرمي عني وعن والدي ووالدتي رمي أيام التشريق الثاني وإذا لم أرجع إلى منى يوم التشريق الثالث أن يرمي عني الرمي الخاص بهذا اليوم وذهبت أنا ووالدتي مباشرة إلى مكة وكان الزحام شديد جدا ولم نصل إلى فندق حملة أهلي في مكة إلا قبيل منتصف الليل ووجدنا أن حملة أهلي قد أحضروا السيارات وحملوا عليها أغراضهم بنية الذهاب إلى المدينة والحمد لله تعالى وجدنا والدي وأخبرنا بأن الكشافة أعادوه إلى خيمتهم في منى بعد منتصف ليلة الحادي عشر وأنه بات في منى هذه الليلة وحضر إلى مكة مع الحملة وقبيل الفجر انطلقت سيارة حملة أهلي إلى المدينة ورجعت أنا إلى فندق حملتي في مكة وبقيت فيه حيث عادت حملتي أيضا بعد ساعات وعندما عادوا أخبرني الشيخ رئيس حملتي بأنه لم يرم عني وعن والدي ووالدتي لا يوم التشريق الأول ولا يوم التشريق الثاني ولم يرم عني يوم التشريق الثالث وأنه يكفينا أن نصوم 10 أيام كفارة عن ذلك وصمت أنا فعلا وأخبرت أهلي أن يقوموا بذلك سؤالي الآن ماذا علي وعلى والدي ووالدتي بسبب عدم الرمي أيام التشريق وماذا علينا لأننا لم نبق في منى أيام وليالي التشريق كاملة بل فقط جزء منها ختاما أرجوكم إعطائي جوابا شافيا مفصلا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبالنسبةِ لهذا الوالد فالظاهرُ من السؤال أنه لم يكمل طواف الإفاضة فإذا كان كذلك فهو باقٍ على إحرامه ويلزمه التوجه إلى مكة وإتمام النسك، والكف عن إتيان النساء فإنه إن كان رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر، فلا يحرمُ عليه بعد ذلك إلا النساء وما يتعلق بهن، وما فعله من المحظورات جاهلاً بحكمه في هذه المدة فلا شيء عليه فيه، لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}

والذي يظهر أن والدتك كانت قادرةً على الرمي فقد كانت تتحركُ معك في البحث عن أبيك؛ ولذا لم تكن الاستنابة جائزةً لكما لإمكان إتمام الرمي مع البحث عن الوالد، وانظري الفتوى رقم: 24164، والفتوى رقم: 27187 وعلى كلٍ؛ فالرمي لم يحصل منكم لا بأنفسكم ولا بالنائب عنكم، ولذا فالواجبُ على كل واحد منكم دمٌ (شاة) تُذبح وتوزع على فقراء الحرم، لقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فعليه دم.

وأما ما أفتى به هذا الشيخ من وجوب صيام عشرة أيام فهو إنما يجب عند العجز عن ذبح الهدي، وقد رجح الشيخ العثيمين أن من عجز عن ذبح الهدي فليس عليه شيء.

وأما تركك المبيت بمنى ثاني وثالث أيام التشريق فقد اختلفَ أهل العلم في حكم المبيت بمنى وما يلزم من تركه وانظري في ذلك الفتوى رقم:18217.

وكونكِ لا تذكرين إذا كان انصرافُكِ ليلة الثاني عشر قبل نصف الليل أو بعده، فالأصل أن الليل لم ينتصف، وأما والدتك فحكمها حكمك لأنها تركت المبيت ليلة ثاني أيام التشريق، وليلة ثالث أيام التشريق وقد تواجدتما بمنى بعد غروب يوم الثاني عشر كما فهمناه من السؤال، وقد كنتما معذورتين في ترك المبيت لأجل البحث عن الوالد. وعلى هذا؛ فلا يلزمكما شيء.

وأما الوالد فإذا كان قد وكل من يرمي عنه الجمرات وقد رُميت عنه وكان عاجزاً عن رميها فلا شيء عليه، وأما إذا لم تكن رُميت عنه أو كان قادراً على الرمي وقصر فيه فعليه دمٌ كما ذكرنا، وإن كان قد بات بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر وتعجل في يومين فلا شيء عليه لترك المبيت.

قال الحافظ مبيناً بعض أحكام المبيت بمنى: وبوجوب المبيت قال الجمهور، وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة، ووجوب الدم بتركه مبنيٌ على هذا الخلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل، والعلة في الترخيص للسقاة إعداد الماء للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره؟ محل احتمال. وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريضٍ يتعاهده بأهل السقاية ورُعاء الإبل، وقال المالكية : يجبُ الدم في المذكورات سوى الرعاء ، قالوا: ومن ترك المبيت بغير عذرٍ وجب عليه دمٌ كل ليلة، وقال الشافعي: عن كل ليلةٍ إطعام مسكينٍ، وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دمٌ وهي رواية عن أحمد.انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني