الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين قوله تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا...) وقوله: (إذ قالت الملائكة يا مريم...)

السؤال

قرأت في سورة مريم قول الله -تعالى-: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً)، وعلمت من التفاسير أن المقصود هو جبريل عليه السلام. ولكني قرأت -أيضاً- قوله تعالى عن الموقف نفسه في سورة آل عمران (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه).
أرجو منكم توضيح وجه الاختلاف، لاسيما وأن في نفس سورة آل عمران عندما تتساءل السيدة مريم عن غرابة إمكانية حملها، يكون الرد في قوله تعالى بالمفرد: (قال كذلك قال ربك)، وليس صيغة الجمع نسبة للملائكة.
إجابتكم عن هذا السؤل ستعينني على قول بعض زملائي إن في القرآن تناقضاً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، ليس فيه تناقض ولا اختلاف، ويصدق بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً.

وبخصوص موضوع البشارة بعيسى ابن مريم؛ فليس ثَمَّ تناقض أو اختلاف بين الآيات المتعلقة بالموضوع، وذلك أن المراد بالروح في قوله تعالى: فأرسلنا إليها روحنا. في سورة مريم هو: جبريل عليه السلام، وجبريل عليه السلام سمي في القرآن الكريم بالروح أكثر من مرة، قال تعالى: نزل به الروح الأمين* على قلبك [الشعراء:193،194] وقد أرسله الله تعالى إلى مريم مخبراً إياها بأنه رسول الله من عند الله، بعثه إليها ليهبها غلاماً طاهراً نقياً من الذنوب، وقد نسب جبريل الفعل لنفسه بقوله: (لأهب لك)، لجريان الهيئة على يده، وهذا المعنى الذي تضمنته آية مريم هو الذي تضمنته آية آل عمران بدون زيادة ولا نقص في المضمون، وذلك أن قوله تعالى في آل عمران: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45]: المراد بالملائكة هنا: واحد من الملائكة وهو جبريل، وإنما عبر عن هذا الواحد بلفظ الجمع، لأنه كبير الملائكة، ونظير هذا شائع بين الناس في لغة التخاطب العادي، فإنك تقول: قالت دولة كذا، أو قبيلة كذا، أو جماعة كذا، والقائل واحد منهم.

وقوله تعالى: (بكلمة) المراد هو عيسى عليه الصلاة والسلام، وسمي كلمة لأنه وجد بكلمة "كن" بدون سبب آخر من الأسباب العادية، ولما تساءلت -عليها السلام- كيف يكون لها ولد؟ وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام إذ ليس لها زوج ولم تك من البغايا؟ رد عليها جبريل -عليه السلام- قائلا: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً [مريم:21] أي قال لها الملك: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلاماً على ما كان منك من عدم الزواج والبعد عن الفجور، فإنه على ما يشاء قدير.

واستفهامها هذا ليس عن استبعاد لقدرة الله -تعالى-؛ وإنما عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل، والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور، وإلا فهي تعرف أن الله خلق أباً البشر من غير أب ولا أم، وخلق أمهم من أب دون أم، فاستفهمت: هل سيكون هذا الولد مخلوقاً بخلق الله تعالى ابتداء كآدم؟ أم عن طريق زوج تتزوجه في المستقبل؟

فالحاصل أن الآيتين أو الآيات ليس فيها تناقض ولا تعارض، وهذا واضح جداً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني