الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح حول قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها)

السؤال

أريد الاستفسار عن الرابط بين هذين التفسيرين في تفسير ابن كثير لهذه الآيات في سورة فصلت "... خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها... في أربعة أيام سواء للسائلين.
أورد المفسر أولا تفسير البخاري استناداً الي الآية .... والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها... على أن تقسيم الخلق في ستة أيام ورد على النحو التالي خلق الأرض في يومين ثم خلق السماء في يومين ثم خلق ما في الأرض من بحار وجبال وأراض في يومين.. ثم أورد على أثر هذا الكلام قول ابن كثير خلق الله الأرض في يومين وهما الأحد والإثنين ثم خلق الجبال والأنهار والأراضي والأودية في يومي الثلاثاء والأربعاء ثم السماء في يومي الخميس والجمعة، وهو أيضا ما ورد في تفسير الجلالين، سؤالي هو: أني لم أفهم هذا التعارض الظاهر بين هذين التفسيرين واللذين أوردهما الكاتب في تفسيره لهذه الآيات من سورة فصلت (تفسير ابن كثير للقرآن الكريم)، فأرجو التبيان فقد أشكل علي الأمر؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنقل السائل الكريم عن ابن كثير قوله: ثم السماء في يومي الخميس والجمعة. ليس بصحيح، فلم يرد ذكر يومي الخميس والجمعة في لفظ ابن كثير، وإنما هو ما فهمه السائل الكريم.

وأما لفظ ابن كثير فهو: قوله: (خلق الأرض في يومين) يعني: يوم الأحد ويوم الإثنين (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) أي: جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، (وقدر فيها أقواتها) وهو: ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة.

وأما الجلال السيوطي فقد نص على ذلك فقال: فقضاهن سبع سموات في يومين. الخميس والجمعة فرغ منها في آخر ساعة منه، وفيه خلق آدم. انتهى.

وذكر يومي الخميس والجمعة هو الذي يشكل في كلام ابن كثير، لأنه بذلك يكون قد نقض ما كان ذكره من قبل حيث قال: فأما قوله: أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها* والأرض بعد ذلك دحاها* أخرج منها ماءها ومرعاها* والجبال أرساها* متاعاً لكم ولأنعامكم، ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء فالدحي هو مفسر بقوله (أخرج منها ماءها ومرعاها)، وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص.

ومبنى كلام ابن كثير على أن الدحي الذي يعني إخراج الماء والمرعى من الأرض، لم يحصل في الأيام الستة أصلاً، بل حصل بعد تمام خلق الأرض والسماء، ويوضح ذلك كلامه رحمه الله في كتاب آخر، حيث قال في البداية والنهاية: مقتضى هذه الآية أن دحي الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء، وقد كان ذلك مقدراً فيها بالقوة، كما قال تعالى: وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا. أي هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار، ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحا الأرض فأخرج منها ما كان مودعاً فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار ونبت الزرع والثمار.

وعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في كلام ابن كثير، ومن الجدير بالذكر أن هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم، وقد ذكر الطبري أقوالهم، ثم قال في تاريخ الطبري: غير مستحيل ما روينا في ذلك عن ابن عباس من القول، وهو أن يكون الله تعالى ذكره خلق الأرض ولم يدحها ثم خلق السماوات فسواهن، ثم دحا الأرض بعد ذلك فأخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها، بل ذلك عندي هو الصواب من القول في ذلك، وذلك أن معنى الدحو غير معنى الخلق. .

وقد اعتمد ابن حجر هذه الرواية التي ذكرها الطبري عن ابن عباس وضعف ما يروى عنه من أن خلق السماء كان يومي الخميس والجمعة.

وقد سبق لنا تفصيل شيء من ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22344، 35560، 54842.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني