الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعت ربها كثيرا فلم تر أن دعاءها قد استجيب

السؤال

صار لي قرابة العامين والنصف وأنا أدعو الله تعالى أن يستجيب لي في أمر خاص بي، لكم بكيت واستجديت وتوسلت إليه، ما أستغربه هو أنه ما إن أحس أن الأمور أمامي انفرجت وتيسرت حتى تعاود الانغلاق بشدة مرة أخرى، وكأني أدعو في أمر الوصول إليه أشبه بالأسطورة، وبالرغم من ذلك لم أيأس لأنه ثمة إحساس ما عميق يخبرني بل يؤكد لي لدرجة اليقين أن منتهى الأمر لي، ناهيك عن سماعي للفأل الجميل والذي له معنى حسن في كل حين، الأمر الآن أشد انغلاقا من أي وقت مضى، فمادا أفعل هل أنا من الذين يحب الله سماع ندائهم وبكائهم لذلك يؤخر لي في دعائي أم لا دعاء لي مستجاب؟ كيف أعرف أن دعائي غير مستجاب طيلة العامين والنصف، وبفضل دعائي لله تعالى ازداد تعلقي بالأمر أكثر وأكثر، لا أنا أستطيع تركه والمضي قدما في حياتي، ولا أنا أستطيع الوصول إليه، فأحمد ربي على استجابته وعطائه لي، فهل أنا من أولئك الذين قيل فيهم "اتبعوا أهواءهم" مع العلم بأنني أدعو الله تعالى من أجل رجل أحبه وأريد الزواج منه على سنة الله ورسوله ولا أريد غير التوفيق والتيسير من الله عز وجل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس بالضرورة أن يكون تأخر حصول مطلوب الداعي هو عدم استجابة دعائه أو كونه عاصياً أو متبعاً لهواه ونحو ذلك، بل قد يستجيب الله الدعاء ويقبله ويعظم الأجر لصاحبه، ولكن لا يحقق له مطلوبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له؛ فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا - ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل يقول: دعوت ربي فما استجاب لي.

وذلك لأن الله هو العالم بالأمور على الحقيقة، أما الإنسان فلا يعلم، وقد يدعو بأمر هو في ظاهره خير له، ولا يدري أن وراءه عطبه وهلكته، فيصرفه عنه ربه برحمته وحكمته، قال الله سبحانه: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً {الإسراء:11}، والمعنى: أن الإنسان يدعو بما يحسبه خيراً وهو في الحقيقة شر، وهذا راجع لفرط تعجله وقلقه.

جاء في تفسير الرازي: أقول: يحتمل أن يكون المراد: أن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلباً لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولاً مغتراً بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها. انتهى.

ولذا فإنا نوصيك بأن تسلمي أمرك لمولاك، وترضي بما قسمه لك، ولا مانع مع ذلك من الاستمرار في الدعاء، ولكن الزمي الرضا في كل حال، سواء حصل ما تريدين أم لم يحصل، فقد يكون الخير هو صرفه عنك، وكم من امرأة عقدت آمالها وسعادتها وراحتها على الزواج برجل معين، فلما تم لها ما أرادت دخل عليها التنغيص من كل باب، وقعد لها الهم والغم بكل سبيل.. ولذا فلا أطيب للعبد ولا أهنأ له من أن يرضى بقضاء ربه له، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني