الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح للتخلص من جريمة اللواط

السؤال

أريد أن أسأل عن من ارتكب جريمة عمل قوم لوط وهو شاب عزب. فهل له التوبة والرجوع إلى الله توبة نصوحا لينال عفو الله الأكبر؟ وهل التوبة واجب كلا الطرفين أم طرف واحد ؟ ماهى نصيحتكم لترك هذه الفاحشة؟ أرجو منكم الإجابة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك في قبح جريمة اللواط وشناعتها لما فيها من قلب للفطرة، واشتمالها على المفاسد العظيمة في الدنيا والدين.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى، ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها، وقتل المفعول به خير لمن وطئه، فإنه إذا وطئه قتله قتلا لا ترجى الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد، أو ربما ينتفع به في آخرته. انتهى.

ثم ساق الإمام المحقق أدلة ذلك فأطال وأطاب رحمه الله.

وقد سمى الله تعالى هذا الذنب بالفاحشة بالتعريف لتناهيه في القبح وتعاظمه في الفحش، وجعل عقوبة فاعل هذا الذنب أن يقتل بكرا كان أو ثيبا، كما هو قول الصحابة وكثير من أهل العلم، وفي إتيان الرجل الرجل قلب للفطرة وتنكيس لها حتى إن العقول السليمة والفطر المستقيمة لا تكاد تتصور أن هذا يمكن أن يقع.

ولذا قال الوليد بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية: لولا أن الله أخبرنا عن قوم لوط ما صدقنا أن الرجل يأتي الرجل.

فإذا علمت هذا كله، فاعلم أن الواجب على من ابتلي بهذا الفعل أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، وعليه أن يعض أصابع الندم على ما اقترف من الفاحشة وفرط في جنب الله تعالى، ولا فرق في ذلك بين الفاعل والمفعول به إذا كان مختارا غير مكره، فإن كليهما شريك في الإثم مستحق للوعيد، ولذا كانت عقوبة الفاعل والمفعول به القتل كما صح بذلك الحديث: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.

أما وقد ستره الله فعليه ألّا يفضح نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه، ويجتهد في إصلاح العمل فإن الحسنات يذهبن السيئات، ويخلص النية ويصدق التوبة، وليعلم أنه إن صدق في توبته، وندم على جريمته، ووفى التوبة حقها، وأقلع عن هذا المنكر، وعزم على عدم العودة إليه، فإن الله تعالى يقبل توبته، ويقيل عثرته، ويغفر زلته، فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.{الزمر: 53}.

وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى: 25}. وقال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. {النساء: 17}.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. أخرجه ابن ماجه.

والآيات والأحاديث في الباب كثيرة جدا، وشرط قبول التوبة هو أن تكون مستوفية لشروطها من الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه كما قدمنا.

وأما النصيحة لترك هذا الفعل المنكر فهي أن يستحضر من تتوق نفسه إليه ما أعده الله من الوعيد لفاعليه من النكال والخزي اللاحق له في الدنيا والآخرة، وأن يتفكر في قبح هذه الجريمة، وأن الله لم يذم أحدا كما ذم من تلبس بها. وقد تقدم طرف من ذلك في كلام ابن القيم رحمه الله، وعليه كذلك إن أراد التخلص من هذا الداء أن يجتهد في الطاعات ويكثر من العبادات، فإن القلب إذا اشتغل بما يقرِّب إلى الله سهّلَ ذلك عليه ترك ما يسخطه ربه، وإذا امتلأ القلب بمحبة الله ومحبة ما يحبه فرغ من محبة أضّداد ذلك من الشهوات والمنكرات، ومن أكبر الأسباب المعينة على التخلص من هذا الداء العضال إدمان اللجوء إلى الله، والاجتهاد في دعائه أن يصرف عن عبده السوء، فإنه من لم يعنه الله فلن يعانِ. وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. {النور: 21}.

ونسأل الله أن يرزق جميع المسلمين التوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني