الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى يجوز الستر على المذنب ومتى لا يجوز؟

السؤال

السادة الأفاضل: أعمل في مجال التحقيق بالشرطة، وفي إحدى القضايا كانت مشاجرة بين خمسة أولاد أحداث لا تتجاوز أعمارهم الخمس عشرة سنة، وأثناء التحقيق تبين لي أن نفس الأحداث سبق وأن مارسوا فيما بينهم اللواط، فتطرقت للموضوع، وبالتالي تم إحالتهم للنيابة، وتم حبسهم بتهمة اللواط، وعلم بذلك أهلهم، وأصدقاؤهم في المدرسة وصاروا حديثا- لست أنا من قام بالحديث عن القضية بل هم أنفسهم وأهليهم- وكان يمكنني أن أغض النظر عن قضية اللواط ولا أحد يعلم بذلك. فهل أكون هتكت ستر مسلم بذلك، بأن تطرقت للموضوع؟ وهل كان يتوجب علي عدم التعمق فيه والاكتفاء بالقضية المنظورة أساسا أمامي وهي المشاجرة؟
وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس عليك حرج- إن شاء الله- فيما قمت به من تحويل هؤلاء الآثمين إلى القضاء بتهمة ممارسة الفاحشة، ما داموا هم الذين اعترفوا بذلك طائعين دون شبهة من ضغط أو إكراه، بل هذا هو الواجب عليك ولا يسعك غيره، خصوصا مع مثل هؤلاء الذين يظهر من حالهم أنهم أدمنوا الإجرام واستمرؤوا الإثم ودأبوا عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

فأمر صلى الله عليه وسلم الناس أن يتجاوزوا عن المخطىء قبل رفعه له؛ لأنه إذا آل الأمر إليه فقد وجب الحد، والحكام مثله في ذلك.

جاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: يعني الحدود التي بينكم ينبغي أن يعفوها بعضكم لبعض قبل أن تبلغني، فإن بلغتني وجب علي أن أقيمها، والحكام مثله في ذلك. انتهى.

علما بأن هذا الحديث خاص بمن لم يعرف بالأذى والشر، أما من دأب على ذلك فإنه يجب رفعه للسلطان بكل حال، ولا يجوز التستر عليه لأن هذا يزيده فجورا.

جاء في سبل السلام: ونقل الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال لا يشفع في الأول مطلقا، وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع. انتهى.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ... فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. انتهى.

وقد استحب بعض أهل العلم أن يلقن المتهم ما يجنبه إقامة الحد عليه، إذا لم يكن معروفا بالشر، وكان صدور الذنب منه على سبيل الهفوة، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه ماعز معترفا بالزنا لقنه حجة لعله يتراجع عن اعترافه فيسقط عنه الحد فكان يقول له: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت.

وهذا التلقين خاص بالحدود فيما يتعلق بحق الله، أما ما يتعلق بحقوق العباد وحقوق الله المالية كالزكاة والكفارات فلا يجوز التلقين فيها.

جاء في شرح النووي على مسلم: ففيه استحباب تلقين المقر بحد الزنى والسرقة وغيرهما من حدود الله تعالى وأنه يقبل رجوعه عن ذلك؛ لأن الحدود مبنية على المساهلة والدرء، بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه.

وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه. انتهى.

والحاصل، فلا حرج عليك فيما فعلت من تحويل هؤلاء إلى القضاء؛ لأن ضباط الشرطة نائبون عن السلطان في إقامة الأمن وضبط المجرمين، فلا يسعهم تعافي الحدود والعفو عن المجرمين، لأن الشرطة ولاية كسائر الولايات.

يقول ابن تيمية: وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة وولاية الحكم. انتهى.

علما بأن من بلغ من هؤلاء الصبية فعليه الحد، وأما من لم يبلغ فلا حد عليه، وإنما عليه التأديب فقط بما يراه القاضي رادعا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني