الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يصح ترك الدعاء بدعوى أن الأقدار مكتوبة

السؤال

هل هناك ما يسمى بصدقة الفجر؟ وهي تدفع لنية ينويها الشخص فتقضى الحاجة بإذن الله.
كما أني أديتها مرة على نية ولم تتحقق، والآن أصبح عندي قناعة أنه لا يحدث إلا ما كتبه الله، أكيد أنه لا يحدث إلا ما كتبه الله، لكن لماذا الدعاء إذن؟ أنا أدعو منذ زمن لموضوع ولم يتحقق إلى الآن، وأصابني فتور شديد وعدم الرغبة في الدعاء لأنه لن يحدث إلا ما كتبه الله تعالى ، حتى لو دعوت، لذلك لم أعد أدعو لشيء معين إلا بشكل عام وبالأدعية المأثورة فقط.
ما رأيكم؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالصدقة مشروعة في كل وقت قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:274}. إلا أن هناك أوقاتا وأحوالا تتأكد فيها الصدقة ويعظم أجرها عن غيرها من الأوقات، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 100610.

ولا شك أن وقت الفجر من الأوقات الفاضلة، إلا أننا لا نعلم دليلا على فضل الصدقة فيه بخصوصه، ثم إن فعل المعروف عموما يدفع عن الإنسان من المصائب، كما في الحديث: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، و صلة الرحم تزيد في العمر. رواه الطبراني وصححه الألباني.

واعلم يا أخي الحبيب أنه لا يحدث في هذا الكون إلا ما كتبه الله تعالى وقدره، إلا أن الدعاء الذي تدعو به هو أيضا مما كتبه الله تعالى وقدره، شأنه شأن غيره من الأسباب، بل هو أعظمها، والله عز وجل قد ربط الأسباب بمسبباتها، وكما قدر المسببات، فقد قدر أيضا أسبابها.

وعليه، فلا يصح ترك الدعاء بدعوى أن الأقدار مكتوبة، كما لا يصح الامتناع عن تناول الدواء بدعوى أن العمر مكتوب، فكل من الدعاء والدواء من الأسباب، وكلها من قدر الله عز وجل.

يقول ابن القيم في الجواب الكافي: المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفي المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر. وحينئذ، فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله وأفقههم في دينه، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم. اهـ. بتصرف.

فاجتهد يا أخي في الدعاء بما تريده من أشياء معينة وغيرها، ولا تفتر، وثق أن الدعاء خير لك على كل حال، وكون الإنسان قد يدعو أحيانا ولا يرى أثرا ظاهرا لدعائه، فهذا لا يعني أن الدعاء لا ينفع، ففي مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر. صححه الألباني. وفي سنن الترمذي: إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء. صححه الألباني.

كما أن إجابة الدعاء تتوقف على تحقق شروط وانتفاء موانع، ولمعرفة ذلك انظر الفتوى رقم: 43346.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني