الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عدم حضور صلاة الجمعة بسبب العمل

السؤال

عزيزي الشيخ: أحيانا أحصل على عمل أيام الجمع في بلد أجنبي يؤدي إلى ضياع صلاة الجمعة، ما حكم عملي هذا؟ علما بأنني أحصل على فرصة لدعوة أناس مختلفين في كل مرة للإسلام في تلك الجمع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج على المسلم في أن يؤجر نفسه يوم الجمعة، ما دام عقد الإجارة يتم قبل دخول وقت الصلاة، لكن لا يجوز أن يتخلف عن شهود الجمعة لمجرد الإجارة.

قال ابن قدامة ـ رحمه الله: قال أحمد : أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة ولا يشترط ذلك، قيل له: فيتطوع بالركعتين؟ قال: ما لم يضر بصاحبه إنما أباح له ذلك، لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة، ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف بترك معتكفه لها. وقال ابن المبارك: لا بأس أن يصلي الأجير ركعات السنة، وقال أبو ثور وابن المنذر: ليس له منعه منها. انتهى.

ثم إنه قد يرخص للأجير في ترك الجمعة إذا استؤجرعلى حفظ مال خشي من ضياعه أو على عمل خشي فساده إذا شهد الجمعة، قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: زَمَنُ الطَّهَارَةِ والصلاة الْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ جُمُعَةً وَالرَّاتِبَةِ مُسْتَثْنًى في الْإِجَارَةِ لِعَمَلِ مُدَّةٍ فَلَا تَنْقُصُ من الْأُجْرَةِ شَيئا، قال الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ من الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَا شَكَّ فيه عِنْدَ بُعْدِهِ عنه فَإِنْ كان بِقُرْبِهِ جِدًّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مِمَّنْ يُطِيلُ الصَّلَاةَ فَلَا، وَعَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ مع إتْمَامِهَا، ثُمَّ مَحَلُّ تَمْكِينِهِ من الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا لم يَخْشَ على عَمَلِهِ الْفَسَادَ وهو ظاهر. انتهى.

وإذا منعك المستأجر من حضور الجمعة ولم تستطع الذهاب، فإن هذا عذر في تركها عند كثير من أهل العلم، كما صرح به فقهاء الشافعية، لكن لا يجوز أن تتعاقد معه يوم الجمعة إن علمت منه ذلك إلا إن كنت محتاجا، وعليه فليس لك عذر في ترك الجمعة لمجرد الاشتغال بالعمل إلا إذا كان لك عذر يبيح تركها، كما أنه لا مانع من التعاقد على هذا العمل على الوجه الذي ذكرنا، واعلم أن الجمعة شأنها عظيم، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد على من يتخلف عنها من غيرعذر، فقال على أعواد منبره كما ثبت في الصحيح: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

وقد أثنى الله على الصالحين من عباده بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار، فاحرص على أن تكون منهم.

وأما ما ذكرته من دعوتك ناسا إلى الإسلام فليس بعذر يبيح لك ترك الجمعة، فإن يوم الجمعة ليس متعينا لدعوتهم، بل يمكنك فعل هذا في أي يوم آخر، ثم إن تقديم ما افترضه الله عليك من الصلوات أولى بلا شك، والتزامك بتعاليم الدين من أكثر ما تحصل لك به المصداقية عند المدعوين فيسهل دخولهم في الدين بإذن الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني