الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أسأل الله أن أحصل عندكم على إجابة شافية لمشكلتي التي تعذبني كل يوم، فأنا شاب أعيش في بلاد الغرب منذ سنتين, قدمت إلى هنا لغرض الدراسة، وكنت قبل أن أجيء إلى ألمانيا في بلدي ملتزما ـ والحمد لله ـ ومحافظا على الصلوات الخمس في المسجد وأحضر دروس العلم وأجتهد ـ قدر المستطاع ـ في تعلم العلم، ثم سافرت إلى الغرب للدراسة، وكل شيء كان على ما يرام، وبعد سنة واحدة ـ فقط ـ تعرفت على شابة أجنبية عن طريق الأنترنت وقالت لي إنها تريد أن تصبح مسلمة وكنت في هذه الفترة أمضي شهر رمضان في بلدي مع أسرتي وكنت ألتقي بها في المسنجر يوميا ولساعات طوال ويوما بعد يوم ازداد الشوق وصرت لا أتصور أن يمر يوم دون أن نلتقي في الأنترنت، وكنا نتحدث عن الإسلام ـ دائما ـ حتى إنني سألتها يوما هل تريدين أن تدخلي في الإسلام؟ فأجابت بنعم، وكانت قبل ذلك تبحث ـ أيضا ـ عن معلومات عن الإسلام، لأنها كانت لا تعرف شيئا عن هذا الدين، فقلت لها إذا أردت الدخول في الإسلام فعليك النطق بالشهادتين، وكتبت لها الشهادتين بالعربية وترجمتها بلغتها وقرأتها من الشاشة، وكنا نتبادل ـ أيضا ـ كلمات الحب والغرام إلى ساعات متأخرة من الليل في بعض الأحيان حتى الفجر، حيث كنت أذهب مع أبي إلى المسجد وأنا شديد التعب وكنت في بعض الأحيان لا أصلي التراويح لأحضر إلى البيت بسرعة حتى نلتقي ـ وكل ذلك كان خطأ ـ لكن الهوى كان متحكما في، وقد كنت في أمس الحاجة إلى الزواج، لأن الفتنة كانت شديدة ـ سواء في أوروبا أو في بلدي ـ وكنت مع الأسف مدمنا على الاستمناء وأشعر بتناقض كبير في حياتي، فأنا أحب الصلاة والسنة و الدروس والالتزام، ورغم ذلك أفعل كل هذه الأشياء، وقد ضعف إيماني كثيرا بسبب الفتنة.
وعندما رجعت إلى أوربا بعد رمضان وقعت المشكلة، حيث اتصلت بتلك الشابة فطلبت مني أن أحضر إليها، لأنها تريد أن تراني، فشرحت لها أن ذلك لا يجوز، لأننا لسنا متزوجين بعد، فأبت علي وقالت لي لا تقلق لن يحدث شيء، فوافقت وسافرت إليها، لكن ـ وا أسفاه ـ لم أستطع التحكم في شهوتي، حيث بقيت عندها يومين وفي اليوم الثاني مارسنا الزنا بعد أن تمت بيننا قبلاته وقتا طويلا ـ وأسال الله المغفرة ـ فقد بكيت كثيرا بعد تلك الفعلة الشنيعة وعزمت أن لا أعود، لكنني عدت إلى ذلك، حيث جاءت هي إلى بيتي وكررنا ذلك الفعل ـ لا أدري أثلاثا أو أربع مرات؟ لكن في المرة الأولى كان بدون إنزال وفي المرات الأخرى كنت أستخدم العازل، وصدقوني كنت أصاب بحزن شديد وبكاء بعد كل مرة تعدينا فيها حدود الله.
كنا قد حددنا موعدا في مركز إسلامي هنا كي نتزوج، وقبل ذلك بأربعة أيام قلت لها إن ما نفعله حرام ولا يرضاه الله ويجب أن نتوقف حالا، لأننا مقبلون على الزواج، وفعلا توقفنا، لكنها بقيت تسكن معي تلك الأيام الباقية حتى ذهبنا إلى المسجد وتزوجنا، وقبل أن نعقد أعادت هي نطق الشهادتين أمام الإمام والشاهدين، وعند عقد الزواج كان الإمام بمثابة وليها، لأن أباها وجميع أسرتها كفار.
وبعد أن أسلمت بدأت تحاول أن تتعلم الصلاة وساعدتها ـ والحمد لله ـ في ذلك، لكن وبعد مرور بعض الأيام فقط بدأت الخلافات تتسرب إلى حياتنا وبدأنا نتشاجر يوميا وتعود الأمور إلى نصابها لنعود فنتشاجر مرة أخرى وكنت لا أتمالك أثناء الغضب وأصرخ في وجهها بشكل قوي حتى تبكي ويسمعنا الجيران أو أضرب كل شيء أجده أمامي على الجدار أو أضربه بيدي أو أضرب ركبتي أو رأسي وأنا أصرخ وأقول لها لماذا لم تفعلي هذا؟ أو لماذا تصرفت هكذا؟ أو لماذا قلت ذلك؟ لقد تحولت حياتنا ـ فعلا ـ إلى جحيم، ورغم ذلك كانت الأمور ترجع إلى طبيعتها، وكنا نخرج ونقرأ القرآن ـ وكأن شيئا لم يحدث ـ ثم نرجع مرة أخرى إلى الشجار على أتفه الأسباب.
ومما زادني قلقا وشكا ما قرأته أن من زنا بامرأة لا يحل له الزواج منها حتى يتوبا، فهل يكفي ندمي الذي كنت أشعر به بعد تلك الفعلة؟ لأنني ـ والله ـ نسيت هل نطقت بالتوبة بعد آخر مرة أم لا؟ أما هي فقد أعادت نطق الشهادتين مرة أخرى في المسجد قبل العقد، فهل تكون الشهادتان بالنسبة لها توبة؟ والآن عندي منها طفلة بعد سنة من الزواج، وقد سألت بعض أهل العلم هنا في ألمانيا وقال لي أحدهم أن ما علي فعله ـ فقط ـ هو التوبة من الذنب الآن، وأنا أعلم أن الله يفرح بتوبة عبده وأنا أسأله سبحانه أن يحل البركة في حياتنا، فأنا خائف أن يكون عقدنا باطلا، أرجوكم ساعدوني فالوساوس والشكوك تطاردني ليلا ونهارا وأشيروا علي ـ بارك الله فيكم ـ ماذا يجب علي فعله حتى يرضى الله عني؟ فأنا أخشى أن أكون على خطإ وأنا لا أدري.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ريب أن الزنا من كبائر الذنوب التي تستوجب عقوبة الله تعالى، إلا أن من تاب وأناب وصدق في توبته تاب الله عليه، والظاهر من السؤال أن التوبة من الزنا حصلت منكما، ولا يشترط في التوبة من الزنا النطق بها ولا النطق بالشهادتين، وتحصل بالندم، كما في الحديث: الندم توبة.

واعلم أن من شروط صحة الزواج بالزانية عند بعض أهل العلم التوبة والاستبراء، وإذا كانت قد حصل منكما التوبة ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فإن الاستبراء لم يحصل ـ كما هو ظاهر ـ ومع هذا، فالزواج يمضي، كما بينا في الفتويين رقم: 11426، ورقم: 46952.

وأما الولد: فهو لاحق ـ على كل حال ـ وننبهك إلى أمور منها:

الأول: الحذر من خطوات الشيطان واستدراجه، فكل ما حصل لك من الزنا والفتنة بسبب ذلك.

الثاني: الولي شرط في صحة النكاح، وإذا لم يكن للمسلم ولي مسلم انتقلت الولاية إلى القاضي أو من يقوم مقامه من جماعة المسلمين.

الثالث: الإقامة في بلاد غير المسلمين تكتنفها مفاسد عظيمة، فلا تحل إلا لضرورة أو مصلحة شرعية معتبرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني