الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اقتصر في البر بالقدر الذي لا يحصل معه الأذى

السؤال

شيخنا الكريم جزاكم الله خيرا على ردكم الطيب والذي فصل المسألة ردا على سؤال رقم: 132777، ولكن هذا الرد فتح علي أبوابا أخرى من الحيرة والغم، فكيف لي بعد كل ما بدر من أبي تجاهي وتجاه أختي وتجاه أمي ومعاونته إخوته على ظلمي والاعتداء علي حتى أني استنجدت بالشرطة - كيف لى بعد كل هذا أن أصله، لقد كنت أصله طوال السنوات الماضية بالرغم من تاريخه السيء معنا على مضض، ولكنى الآن لا أكف عن الدعاء عليه ليل نهار، ولا أطيق ذكر اسمه، بل وصلت إلى عدم القدرة على ذكر مسمى أبي عندما يأتي ذكره في الحديث، وأحاول أن أشير إليه بأي إشارة أخرى، فأنى لي أن أتصل به وأحدثه-علما بأنه لا يهتم بتلك الأمور ولم تمنعه صلتي له وإحساني إليه طيلة فترة زواجي من ابنة أخيه من الاعتداء علي وسبى بالأم مباشرة إذا علم أن طليقتي غاضبة دون أن يدع لي فرصة للدفاع عن نفسي، بل دون أن يستمع إلي مطلقا. وأقسم بالله أنه كان يتصل بالتليفون وبمجرد قولي السلام عليكم أجد سيلا من السباب والدعوات والتهديد بإبلاغ الأمن عني لاني ملتح، وسوف يأخذون بشهادته لأنه من المفترض أنه أبي ولن يتهمني بالتطرف عبثا-هذا منطقه وهذا دينه.
فكيف أتصل به وأنا أتمنى أن أشهد يوم انتقام الله منه فى الدنيا والآخرة، وعقدت العزم على عدم السير في جنازته إن توفي، وما زلت حيل لأني لن أدعو له.أستسمحك عذرا أن تضع نفسك مكاني وتخبرني ماذا أفعل بالله عليك، فقد أصبحت أتمنى الموت ليل نهار، لأنهي هذه السلسلة من الأحزان والآلام التي تمتد من جيل إلى آخر. فتوقعي أن الهوة التي بيني وبين أبي سوف تتكرر بيني وبين أولادي مع الفرق أن أمي كانت تدفعنا لصلة أبينا، ولكن طليقتي حرضت أولادي علي حتى أنهم عندما أقابلهم صدفة وإن كانت متعمدة يرفضون السلام علي، ويرفضون الحلوى التي أهديها لهم، بل لا يجيبونني أصلا، وحدث هذا أمام سائق المدرسة وزملائهم مما دفعني للتوقف عن رؤيتهم منذ أكثر من خمسة أشهر حتى لا أسبب لهم ضررا نفسيا مضاعفا أمام زملائهم أجبني ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن شأن المسلم أن يستجيب لأمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وألا يقدم بين يديهما، فقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا{الأحزاب:36}

وقال سبحانه: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النــور:51}

والله سبحانه قد أوصى الأبناء بآبائهم وأمرهم ببرهم وإكرامهم فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا{الإسراء:23}

قال القرطبي في الجامع لأحكام القران: وقل لهما قولا كريما أي لينا لطيفا مثل يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما. قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القران من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. انتهى

والله سبحانه لم يعلق الأمر ببر الآباء وإكراههم على كونهم محسنين لأبنائهم وإنما علقه على مجرد الأبوة حتى ولو كانا مشركين يدعوان ابنهما إلى الشرك بالله والكفر به فعليه حينئذ أن يصاحبهما بالمعروف. قال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}

فينبغي إكرام الوالدين وإن أساءا، لكن إن خفت أن يلحقك ضرر أو أذى من صلتك له فاقتصر في البر على القدر الذي لا يحصل معه الأذى، وإن كنا بهذا لا نبرر للأب ما يفعله، فإنه ولا شك مخطىء عاص لله سبحانه في تصرفاته معك، مضيع لوصية الله له فيك، فإن الله كما أوصى الأبناء بآبائهم أوصى كذلك الآباء على أبنائهم فقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ {النساء:11}.

قال السعدي رحمه الله: أي أولادكم يا معشر الوالدين عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية. انتهى

ولكن وبال عصيانه وإساءته إنما يعود عليه، وحسابه في ذلك على ربه، وأنت لا يسعك في هذا إلا الصبر والعفو، فإن هذا ابتلاء من الله لك ليرى امتثالك لأمره وصبرك على قضائه، واعلم أن الخير كله في الصبر على قضاء الله وقدره قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{ البقرة:157،156،155}

يقول ابن القيم رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان وبها يتبين الصادق من الكاذب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني