الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم مشروعية الجهر بالنية والنيابة في الصلاة

السؤال

لا يجوز الجهر بالنية ولا الإنابة في الصلاة إلا بشيئين أجمع عليهما العلماء.
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم تبين المراد من هذا السؤال، ولكن اعلم أن التلفظ بالنية غير مشروع على الراجح من كلام العلماء، وإذا كان التلفظ بالنية غير مشروع فالجهر بها من باب أولى، جاء في الروض مع حاشيته: والتلفظ بها ـ أي بالنية ـ ليس بشرط أي فيستحب، والمنصوص عن أحمد وغيره خلافه، بل ذكر شيخ الإسلام أن التلفظ بها بدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم ينقل عنه مسلم ولا عن أصحابه أنه تلفظ قبل التكبير بلفظ النية ـ لا سرا ولا جهرا ـ ولا أمر بذلك فلما لم ينقله أحد علم قطعا أنه لم يكن، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه يقولون: نويت إلى آخره ـ ولم يرد عنهم حرف واحد في ذلك. انتهى.

وقد قيل إنه يستثنى من ذلك الحج والعمرة فيشرع التلفظ بالنية فيهما جهرا، وزاد بعضهم الجهر بالنية عند الذبح، ونازع في هذا بعض المحققين، قال العلامة السعدي ـ رحمه الله: مما يتعلق بذلك أن بعض العلماء ذكروا أنه يشرع التلفظ بالنية في أمرين:

الأمر الأول: في نسك الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: لبيك اللهم عمرة ـ وقال: لبيك اللهم حجة قال: عمرة في حجة.

والأمر الثاني: النسك ذبح الهدي وذبح الذبائح، فإن بعض العلماء ذكروا أنه يتلفظ بالنية في ذلك، وذلك أن الذابح يقول: باسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك، والذي يظهر أن هذه الأفعال، وهذه الأقوال ليست تلفظا بالنية، بل هي نسك وذكر وارد في أول العبادة، وليس تلفظا بالنية، كما أننا نبتدئ الصلاة بقولنا: الله أكبر، وهذا ذكر مشروع في أول الصلاة، وليس تلفظا بالنية كذلك الأمر في نسك الحج وفي الذبائح، ولذلك لا يشرع للإنسان أن يقول في بدء المناسك: اللهم إني نويت حج القران، أو التمتع، أو الإفراد، لأن هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك لا يشرع له أن يقول: اللهم إني نويت أن أذبح الذبيحة الفلانية ـ وهذا هو التلفظ بالنية، فدلنا ذلك على أن التلفظ بالنية في جميع الأعمال ليس مشروعا، بل هو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: وهنا مسألة: إذا قال قائل: قول المُلَبِّي: لبّيك اللهم عمرة، ولبيك حجّاً ولبّيك اللهم عمرة وحجّاً ـ أليس هذا نطقاً بالنّية؟ فالجواب: لا، هذا من إظهار شعيرة النُّسك، ولهذا قال بعض العلماء: إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإذا لم تلبِّ لم ينعقد الإحرام، كما أنه لو لم تكبر تكبيرة الإحرام للصلاة ما انعقدت صلاتك، ولهذا ليس من السنّة أن نقول ما قاله بعضهم: اللهم إني أريد نسك العمرة، أو أريد الحج فيسّره لي، لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل. انتهى.

فهذا عن مسألة الجهر بالنية.

وأما النيابة في الصلاة فلا تجوز، لأن الوكالة إنما تكون في العبادات المالية، وأما العبادات البدنية المحضة ـ كالصلاة ـ فلا تصح فيها النيابة، إلا أن من ناب عن معضوب في حج، أو عمرة فإنه يصلي عنه ركعتي الطواف تبعا للنسك الذي ناب فيه، قال ابن قدامة ـ رحمه الله: وأما العبادات البدنية المحضة ـ كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث: فلا يجوز التوكيل فيها، لأنها تتعلق ببدن من هي عليه، فلا يقوم غيره مقامه فيها، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل، لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره، ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعا للحج. انتهى.

وهبة ثواب القرب للموتى ـ ومنها الصلاة ـ جائزة على الراجح، وليس هذا من قبيل التوكيل، كما مر في كلام الموفق، وانظر الفتوى رقم: 111133.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني