الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إفساد صوم القضاء للزوجة بالجماع

السؤال

جامعت زوجتي وأنا صائم صيام نافلة، فما الحكم في ذلك, مع العلم بأن زوجتي ـ أيضا ـ صائمة صيام قضاء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما إفسادك صومك المتنفل به فلا إثم عليك فيه، وإن كان الأولى لك أن تتمه خروجا من خلاف من منع قطع صوم النافلة وتحصيلا للأجر، ودليل جواز قطع صوم النافلة ما رواه مسلم وأصحاب السنن عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلنا لا، فقال فإني إذن صائم، ثم أتانا يوما آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل.

قال النووي: فيه التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه والأكل في أثناء النهار ويبطل الصوم، لأنه نفل، فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام، وممن قال بهذا جماعة من الصحابة وأحمد وإسحاق وآخرون، ولكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز قطعه ويأثم بذلك، وبه قال الحسن البصري ومكحول والنخعي، وأوجبوا قضاءه على من أفطر بلا عذر، قال ابن عبد البر: وأجمعوا على أن لا قضاء على من أفطره بعذر. انتهى.

وأما زوجتك: فإن كانت صامت بإذنك فلم يكن يجوز لها أن تفسد صوم ذلك اليوم ولا أن تطيعك في ذلك، لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد: 33 }.

وأما إن كانت صامت بغير إذنك: فقد أخطأت بذلك، وفي جواز إجبارك لها على الفطر قولان، قال الماوردي في الحاوي: قضاء رمضان َزَمَانُهُ مَا بَيْنَ رَمَضَانِهَا الَّذِي أَفْطَرَتْهُ وَرَمَضَانِهَا الَّذِي تَسْتَقْبِلُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ زَمَانِهِ وَعِنْدَ تَعْيِينِ وَقْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ، وَكَانَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ لِصَوْمِهَا فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ زَمَانِهِ وَقَبْلَ تَعَيُّنِ وَقْتِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ تَقْدِيمِهِ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا الصَّوْمَ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ دَخَلَتْ فِيهِ فَفِي جَوَازِ إِجْبَارِهِ لَهَا عَلَى الْفِطْرِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي إِجْبَارِهَا عَلَى إِحْلَالِهَا مِنَ الْحَجِّ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْفِطْرِ.

والثاني: ليس له إجبارها على الفطر تغليبا لحرمة العبادة. انتهى.

ومن العلماء من يرى أن للزوجة أن تصوم القضاء بغير إذن زوجها وليس له أن يحللها منه، قال المباركفوري في المرعاة: قال الباجي: الظاهر أنه ليس للزوج جبر المرأة على تأخير القضاء إلى شعبان إلا باختيارها، لأن لها حقاً في إبراء ذمتها من الفرض الذي لزمها، وأما التنفل فإن له منعها لحاجة إليها، لحديث أبي هريرة: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه. انتهى.

وعلى كل، فالواجب على زوجتك أن تتوب إلى الله تعالى إن كانت أفطرت حيث لا يجوز لها الفطر، وعليك كذلك التوبة إلى الله إن كنت أقدمت على إفساد صومها حيث لا يجوز لك ذلك، وعليها قضاء ذلك اليوم، لأن ذمتها لم تزل مشغولة به، وليس عليها كفارة، لأنها لا تجب إلا في الفطر في رمضان، قال ابن قدامة: ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني