الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: ( كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين)

السؤال

ما المقصود بالآية الكريمة: "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" في سورة البقرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن هذا جزء من الآية الكريمة التي جاءت في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وهي قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:65-66].

وقصة اعتدائهم: أن الله -عزَّ وجلَّ- أمر موسى بيوم الجمعة وعرَّفه فضله، كما أمر بذلك سائر الأنبياء، فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل، وأمرهم بالعبادة والخشوع فيه، فتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن يدعهم وما اختاروا، فامتحنهم فيه بترك العمل، وحرم عليهم الصيد فيه.

فكانت الحيتان تخرج يوم السبت ولا تخرج الأيام الأخرى، فاحتالوا لها أول الأمر فحبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، فنهتهم فرقة منهم عن هذا العمل فتمادوا، ومع مرور الوقت اصطادوها يوم السبت علانية، فنهاهم المتقون منهم، ولكنهم رفضوا، وقالت فرقة أخرى: (لم تنتهك الحرام)، لم تعظون قوماً الله مهلكهم. فلما فعلوا المنكر علانية، عاقبهم الله -تعالى- بالمسخ، فتحولوا إلى قردة خاسئين، أذلة صاغرين.

قال المفسرون: ونجى الله -تعالى- الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأهلك بقيتهم بما فيهم الذين لم يرتكبوا المنكر، لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم، كما في حديث زينب بنت جحش في الصحيحين: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث.

وقال ابن عطية: كانت قرية يقال لها أيلية على شاطئ البحر.

وقيل كان ذلك زمن داود.. وقصة أهل القرية ذكرت مفصلة في سورة الأعراف، حيث يقول الله -تعالى-: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:163-166].

وكونوا في قوله تعالى: كونوا قردة، كقوله تعالى لكل شيء: كن فيكون، وخاسئين: أذلاء حقيرين.

وخلد الله -تعالى- هذه القصة قرآناً يتلى، ليتعظ بها من يأتي من بعدهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني