الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين النهي عن الشرب قائما وشرب الرسول قائما من زمزم

السؤال

ما العلة في شرب الرسول صلى الله عليه وسلم واقفًا من زمزم؟ أي: لماذا شرب الرسول صلى الله عليه وسلم قائمًا وقد نهى عن ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب من زمزم وهو قائم، ففي صحيح مسلم عَنِ الشَّعْبِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ. وفي البخاري عن الشعبي عن ابن عباس قال: شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا من زمزم.
والعلة إما أن تكون لبيان الجواز, وأن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا ليس للتحريم, وإما أن تكون العلة أنه شرب قائمًا للحاجة؛ إذ لم يكن المكان مناسبًا للقعود, وبكل هذا قال جمع من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى عن شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا من زمزم:
هَذَا كَانَ فِي الْحَجِّ, وَالنَّاسُ هُنَاكَ يَطُوفُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ زَمْزَمَ وَيَسْتَقُونَ وَيَسْأَلُونَهُ, وَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ قُعُودٍ, مَعَ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلِ, فَيَكُونُ هَذَا وَنَحْوُهُ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ النَّهْيِ. اهــ
وقال ابن القيم في زاد المعاد: قِيلَ: بَلْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ شَرِبَ فِيهَا قَائِمًا لِعُذْرٍ، وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فَأَخَذَ الدَّلْوَ وَشَرِبَ قَائِمًا وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ النَّهْيُ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَجَوَازُهُ لِعُذْرٍ يَمْنَعُ مِنَ الْقُعُودِ. اهــ
وقد رجح الحافظ أن هذا الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على جواز الشرب قائمًا – كحديث شربه قائمًا من القربة - جاءت لبيان الجواز, وأن النهي ليس للتحريم, فقال بعد ذكر أقوال العلماء في هذا: وَسَلَكَ آخَرُونَ فِي الْجَمْعِ حَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ, وَأَحَادِيثَ الْجَوَاز على بَيَانه, وَهِي طَريقَة الْخطابِيّ وابن بَطَّالٍ فِي آخَرِينَ, وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا, وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ. اهـــ.

وعلى هذا القول: يكون شربه من زمزم قائمًا لبيان الجواز.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني