الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: إن ‏امرأتي لا تمنع يد لامس...

السؤال

ما صحة هذا الحديث: عن ابن عباس ‏أن رجلا قال: يا رسول الله إن ‏امرأتي لا تمنع يد لامس. قال: غربها. ‏قال: أخاف أن تتبعها نفسي. قال: ‏فاستمتع بها.‏
وإن كان صحيحا فكيف نرد على ‏الذين يقولون إن محمدا يأمر أتباعه ‏بأن يستمتعوا بالمرأة رغم أنها لا ‏تمنع يد رجل آخر؟ هذا الحديث ‏صححه الألباني في سنن أبي داوود.‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحديث: لا ترد يد لامس. رواه أبو داود والنسائي. وقد ذهب إلى عدم ثبوته النسائي في سننه، وكذا الإمام أحمد كما نقل عنه ابن الجوزي، ومن العلماء من ذهب إلى صحته. كذا قال الحافظ في التلخيص.

وقد اختلف العلماء في المراد بهذه العبارة على أقوال، كما قال الحافظ في التلخيص: اختلف العلماء في معنى قوله: لا ترد يد لامس. فقيل معناه الفجور وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة، وبهذا قال أبو عبيد، والخلال، والنسائي، وابن الأعرابي، والخطابي، والغزالي، والنووي. وهو مقتضى استدلال الرافعي به هنا. وقيل معناه: التبذير وأنها لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها، وبهذا قال أحمد، والأصمعي، ومحمد بن ناصر. ونقله عن علماء الإسلام، وابن الجوزي وأنكر على من ذهب إلى القول الأول. وقال بعض حذاق المتأخرين قوله صلى الله عليه وسلم له: أمسكها. معناه أمسكها عن الزنى، أو عن التبذير إما بمراقبتها، أو بالاحتفاظ على المال، أو بكثرة جماعها. ورجح القاضي أبو الطيب الأول بأن السخاء مندوب إليه، فلا يكون موجبا لقوله: طلقها؛ ولأن التبذير إن كان من مالها فلها التصرف فيه، وإن كان من ماله، فعليه حفظه، ولا يوجب شيئا من ذلك الأمر بطلاقها، قيل: والظاهر أن قوله: لا ترد يد لامس. أنها لا تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها، ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفا، أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة؛ لا أن ذلك وقع منها. اهـ.

والذي نراه راجحا من هذه الأقوال هو ما رجحه الصنعاني في سبل السلام ورد ما سواه حيث قال: قلت: الوجه الأول في غاية من البعد، بل لا يصح؛ للآية، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر الرجل أن يكون ديوثا، فحمله على هذا لا يصح، والثاني بعيد؛ لأن التبذير إن كان بمالها فمنعها ممكن، وإن كان من مال الزوج فكذلك، ولا يوجب أمره بطلاقها، على أنه لم يتعارف في اللغة أن يقال فلان لا يرد يد لامس كناية عن الجود، فالأقرب المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب، لا أنها تأتي الفاحشة، وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد من الفاحشة، ولو أراد به أنها لا تمنع نفسها عن الوقاع من الأجانب لكان قاذفا لها. اهــ.
هذا وما ننصح به الأخ السائل أن لا يشغل نفسه بالبحث عن الشبه والأقوال الضعيفة؛ لما يخشى عليه من التأثر بها، وعليه أن يعتصم بمنهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعمل، وأن يحذر من الاطلاع على شبه ومقالات الملاحدة والكفار، والمخالفين لأهل السنة؛ فإن السلامة لا يعدلها شيء.

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد - لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها، صار مقراً للشبهات - أو كما قال - فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني