الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من عجز عن الوفاء بالنذر

السؤال

نذرت لله إذا تحقق لي أمر أن أفي بهذه النذور كلها: صيام عشر سنوات, وحفظ القران كاملًا، وإنفاق مبلغ كبير من المال، والذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، فهل هذا النذر نذر مشقة، ولا يجوز الوفاء به؟ وما هو الحكم في هذا النذر إذا تحقق لي ما نذرت من أجله؟ هل عليّ الوفاء به أم تركه؛ لأنه نذر مشقة؟ أرجو منكم مزيدًا من التفصيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الإقدام على النذر المعلق مكروه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه، قال ابن قدامة في المغني: ولا يستحب؛ لأن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. متفق عليه، وهذا نهي كراهة، لا نهي تحريم؛ لأنه لو كان حرامًا لما مدح الموفين؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحبًا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه. انتهى.

ومن نذر طاعة لله تعالى وجب عليه الوفاء بها إن تحقق ما علق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه. رواه البخاري، وغيره.

وأما عن المشقة في هذا: فمن الواضح أن حفظ القرآن، والعمرة، والإنفاق ليس مما يشق في الغالب.

وأما الصوم فكذلك في البلاد الباردة - كروسيا - بل إنه قد لا تكون في المواصلة مشقة في غيرها؛ لثبوت فعله عن الصحابة وهم بأرض الحجاز الشديدة الحرارة، فعن عروة أن عائشة - رضي الله عنها -: كانت تصوم الدهر في السفر والحضر. رواه البيهقي، وقال النووي: إن إسناده صحيح .

وعن أنس قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره مفطرًا إلا يوم الفطر أو الأضحى. رواه البخاري.

وقد نص الفقهاء على وجوب المواصلة في الصوم؛ لمن نذر صوم سنوات معينة، ويفطر في الأعياد، وأيام التشريق.

قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي: عليه أن يصوم سنة كاملة في قوله: لله عليّ صوم سنة، أو إن فعلت، أو إن لم أفعل كذا فعليّ صوم سنة وحنث. انتهى.
قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: لو نذر صوم الدهر صح نذره بلا خلاف، ويكون الأعياد، وأيام التشريق، وشهر رمضان وقضاؤه مستثناة، فإن فاته شيء من صوم رمضان بعذر، وزال العذر لزمه قضاء فائت رمضان، لأنه آكد من النذر. اهـ

واذا أطلق صوم عشر سنوات ولم يعينها: فقد اختلف أهل العلم في وجوب التتابع على قولين، فمذهب الجمهور أن من نذر الصوم وأطلق لم يلزمه التتابع، قال النووي في شرح المهذب: ولو أطلق، فقال: أصوم شهراً، فله التفريق والتتابع.

وبناء عليه: فإن كنت قد نويت صيام هذه السنوات متتابعة لزمك تتابعها، قال عليش المالكي في منح الجليل: أما التتابع: فلا بد منه عند نيته. اهـ

وإذا لم تنو شيئًا: فلا يلزمك التتابع، ويجزئك صومها متتابعة ومتفرقة، كما جاء في منح الجليل: ومن نذر صوم سنة مبهمة، أو شهر كذلك، أو أيام كذلك، فلا يجب عليه تتابع الصوم.

وذهب الحنابلة إلى وجوب التتابع في من نذر صومًا وأطلق، قال البهوتي في الروض المربع: ومن نذر صوم شهر معين - كرجب - أو مطلق لزمه التتابع؛ لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع.

وقال في الحاشية: وعنه: لا يلزمه التتابع، وفاقًا لأكثر أهل العلم، فيما إذا لم يعين. انتهى.

أما في حال عجز الإنسان عن الصوم لكبر، أو مرض مزمن لا يرجى شفاؤه منه: فعليه كفارة يمين، قال ابن قدامة: من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادراً عليها فعجز عنها، فعليه كفارة يمين. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني