الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السائل الذي يجب الغسل بخروجه

السؤال

أنا شاب يخرج مني ماء يشبه المني، وهو مستمر معي، ولا أدري هل هذا الماء يوجب الغسل أم لا ؟ وإن كان يوجب الغسل فهل يوجبه كلما خرج؟ علما بأنه مستمر كما سبق ذكره.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:

فليس كل ماء يخرج من الرجل يوجب الغسل، وإنما الخارج الذي يوجب الغسل هو المني، وهو الماء الغليظ الذي يخرج دفقًا بلذة ويعقبه فتور، هذا بالنسبة لغير النائم.

وأما النائم: فإن رأى المني وجب عليه الغسل، ولو لم يذكر احتلاما، أو لذة.

قال التغلبي في نيل المآرب: من موجبات الغسل: (خروجه) أي المنيّ (من مخرجه) المعتاد، فلو خرج من غير مخرجه، لم يجب غسل (ولو دما) أي أحمر، لقصور الشهوة عن قصره، (ويشترط) لوجوب الغسل بخروجه (أن يكون بلذة، ما لم يكن) الخارج منه المني (نائماً، ونحوه) كمغمىً عليه. ويلزم من وجود اللذة أن يكون دفقًا. اهـ.

وإن خرج المني من اليقظان بسبب مرض أو برد، لا عن شهوة -أي من غير دفق، ولا لذة- فلا غسل فيه، وإنما يلزم منه الوضوء؛ لأن الوضوء يجب من كل خارج من السبيلين.

قال ابن قدامة في المغني: إنْ خَرَجَ شَبِيهُ المَنِيِّ؛ لمَرَضٍ أو إِبْرِدَةٍ لَا عن شَهْوةٍ، فلا غُسْلَ فِيهِ. وهذا قولُ أبِي حَنِيفَةَ ومالِكٍ. وقالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بهِ الغُسْلُ. ويَحْتَمِلهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلهِ عليه السَّلامُ: "إذَا رَأَتِ الماءَ". وقَوْلِهِ: "الماءُ مِنَ الماءِ". ولأنَّه مَنِيٌّ خارِجٌ، فأوْجَبَ الغُسْلَ، كما لو خَرَجَ حالَ الإِغْمَاءِ. ولنا، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَصَفَ المَنِيَّ المُوجِبَ للغُسْلِ بكَوْنِه أبْيَضَ غَلِيظًا، وقال لِعَلِىٍّ: "إذا فَضَخْتَ الماءَ فاغْتَسِلْ". رَواه أبو داود، والأَثْرَمُ: "إذا رَأَيتَ فَضْخَ الماءِ فاغْتَسِلْ". والفَضْخُ: خُرُوجُه علَى وَجْهِ الشِّدَّةِ. وقال إبْراهيمُ الْحَرْبِيُّ: خُروجُه بالعَجَلَةِ. وقَولُه: "إذَا رَأَتِ الماءَ". يعني الاحْتِلامَ، وإنما يَخْرُجُ في الاحْتِلَامِ بالشَّهْوةِ، والحديثُ الآخَرُ مَنْسُوخٌ، علَى أَنَّ هذا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ مَنِيًّا؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وصَفَ المَنِيَّ بِصفَةٍ غيرِ مَوْجودةٍ في هذا. اهـ.

ثم اعلم أنه قد يكون هذا الخارج منك ليس منيًّا، فقد يكون وديًا أو مذيًا، والودي هو الماء الذي يخرج عقب البول لمرض، أو برد، أو حمل ثقيل، أو بذل جهد في رياضة، أو نحو ذلك، وهو ماء أبيض خاثر، وحكمه حكم البول سواء، لأنه خارج من مخرج البول، وجار مجراه، وأما المذي فهو ماء لزج رقيق يخرج عند الشهوة والملاعبة للزوجة مثلًا، أو عند التفكر في الجماع، وهو نجس، ولا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء. فانظر من أي الأقسام ذلك الخارج منك.

وأما من انتبه من نومه، فوجد بللا لا يدري هل هو مني أو مذي؟ فقد جوّز الشافعية له أن يتخير فيه بين أن يعتبره منيا فيغتسل منه، وبين أن يعتبره مذيا، فلا يكون عليه غسل، بل يغسل فرجه، وما أصاب بدنه أو ثوبه منه، ويتوضأ، وانظر تفصيل القول في المسألة في الفتوى: 284485.

وإن كان الخارج منك مستمرًّا في خروجه، ولم يكن لديك وقت متسع للطهارة والصلاة معا فحكمه حكم سلس البول، وهو من يستمر معه الحدث دون انقطاع.

وقد تقدمت إجابات بخصوص من به سلس بول، ومن في حكمه كما في الفتويين التاليتين: 9346، 41896. فراجعهما.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى: 26425. بعنوان: موجبات الغسل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني