الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منزلة الصلاة وثمراتها، وأهميه بر الوالدين

السؤال

أرجو المساعدة والنصيحة بنفس الوقت إخواني في الله لدي سؤالان جزاكم الله خيراً، ورحم والدينا ووالديكم، إخواننا المسلمين:
أمي هداها الله من المتهاونات في الصلاة، أمي الله يهديها من النساء اللاتي يحببن الغيبة بين الناس حتى على بيتها لم يسلم من الغيبة ودائماً أذكرها بالله عز وجل وأذكرها بالقبر والمواعظ، فما العمل إخواني في الله أريد النصيحة لي تجاهها، أسأل الله رب العرش العظيم أن يهدي أمي وأمهات المسلمين جميعاً؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا على حرصك على هداية أمك، فإن للوالدين وللأم على وجه الخصوص حقا تجاه أبنائهم من البر والإحسان، ونذكرك قبل أن نبين لك ما عليك فعله ببعض ما ورد في حق الأم وطاعتها والإحسان إليها ومن ذلك حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي وغيره، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأقره المنذري، وحسن إسناده الألباني، ورواه ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة بلفظ آخر، وفيه قال: ويحك؛ أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك؛ الزم رجلها فثم الجنة. قال السندي في شرح سنن ابن ماجه: قال السخاوي: إن التواضع للأمهات سبب لدخول الجنة، قلت: ويحتمل أن المعنى أن الجنة أي نصيبك منها لا يصل إليك إلا من جهتها، فإن الشيء إذا صار تحت رجلي أحد فقد تمكن منه، واستولى عليه بحيث لا يصل إلى آخر إلا من جهته. انتهى.
ومن هنا تعلم أن الإحسان إلى الأم، وبذل الوسع في إرضائها من آكد الأسباب التي توصل إلى الجنة، وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، بل قد أمر الله بالإحسان إلى الوالدين وإن كانا مشركين فقال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر ( وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) إَثَر قوله ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ..) أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى.
فإذا كان البر واجباً للأم على شركها فكيف وهي مؤمنة مسلمة؟!.

وما ذكرنا لا يمنع من نصح والدتك ونهيها عن التهاون في الصلاة بل إن ذلك من البر، فلا شك أن الصلاة من أعظم العبادات ومن أجل شعائر الإسلام، وهي عماد الدين، وأن من يتهاون في أدائها ويؤخرها عن وقتها قد توعده الله بالويل، فقال: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، والويل كما قال بعض المفسرين هو: واد في جهنم، نسأل الله العافية.
وكيف لا يحافظ المسلم على أداء الصلاة، وقد أمرنا الله بذلك فقال: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخل الجنة. رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم.
فمن حافظ على الصلاة كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليها ليس له عند الله عهد، فأي مصيبة أعظم من عدم المحافظة على الصلاة ؟!!

فعليك أن تجلس مع أمك وتناقشها بلطف ولين وتذكرها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وأبو داود.

وذكرها بأن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء. رواه البخاري ومسلم، والغرة بياض الوجه، والتحجيل: بياض في اليدين والرجلين.

فكيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة وليس عنده هذه العلامة وهي من خصائص الأمة المحمدية، بل لقد وصف الله أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].
وذكرها أن الصلاة راحة وطمأنينة للنفس والقلب، وقد قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم لبلال: أرحنا بها يا بلال.

وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحل بنا المصائب، ونصاب بالهموم والأحزان أن نفزع إلى الصلاة، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. رواه أحمد وأبو داود، حزَبه أي: أهمه، وقد أمرنا الله بالاستعانة بالصلاة، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

وينبغي أن تبين لها كذلك أن النميمة والغيبة من أقبح الذنوب وأشدها تحريماً، لما فيها من انتهاك ما حرم الله والوقوع في أعراض الناس، وقد قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12]، وقال تعالى في شأن النميمة وذمها: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم:10-11]، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قتات. والقتات النمام. وانظر الفتوى رقم: 28503.

وقل لها برفق وحنان أن التوبة واجبة من كل ذنب، وإذا تاب العبد تاب الله تعالى عليه وغفر ذنوبه، وعلمها بأدب وتواضع أن للتوبة شروطا لتكون مقبولة عند الله عز وجل، وهذه الشروط هي: أن يقلع العبد عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعقد العزم ألا يعود إليها في ما بقي من عمره. وإذا كانت المعصية بحق آدمي فإنها تزيد على الثلاثة المذكورة شرطاً رابعاً، وهو أن يبرأ من حق صاحبها ويتحلل منه، إن أمكن ذلك ولم يؤد إلى مفسدة أعظم، فإذا كان طلب السماح من صاحب الحق يؤدي إلى زيادة البغضاء والشقاق، فعلى المرء حينئذ طلب السماح من أخيه في الجملة، ولا يبين له أنه حمل عنه نميمة أو اغتابه، لئلا يوغر ذلك صدره ويؤدي إلى فساد أكبر. وقال بعض أهل العلم عليه أن يذكره بالخير في الأماكن والمجالس التي ذكره فيها بما لا ينبغي ويستغفر له بكثرة.

ونسأل الله أن يعينك ويوفقك وأن ويصلح أمك ويسلك بنا وبك سبل الرشاد إنه على ما يشاء قدير، وينبغي أن تستعين بما يؤثر عليها فيما تنصحها فيه من أشرطه وعظية ونحوها، والخلاصة كن رفيقاً في نصحك لأمك وإذا غضبت فاسكت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني