الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المحرمات من الحيوان والطير والسباع

السؤال

أصدر الشيخ المصري عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر فتوى جديدة أجاز فيها للمسلمين أكل القطط والكلاب، وذلك وفقا لما نشرته جريدة الشرق الأوسط اللندنية التي ذكرت أنها أجرت حوارا مع الشيخ حول هذه الفتوى، وكان الشيخ قد أفتى أيضا بأكل الجراد، لأن «لحم» هذه الحشرة التي هاجمت بعض دول المنطقة العربية بالملايين هو طعام حلال للمسلم طبقا للشريعة، وقالت الجريدة أنها سألت الشيخ عن باقي الحشرات فاعتبرها جميعها من الطعام الحلال على المسلم أكله إذا أراد.
ويقول الشيخ عبد الحميد إن من الحلال على المسلم أكل القردة مثلا، بل والذباب والجرذان ولحم الفيلة والقطط والكلاب والفراشات والهوام الصغيرة التي تصعب رؤيتها إلا بعد التحديق بها وهي تعرش أو تطير، وكله لا يحرّمه الإسلام طالما اشتهته النفس، إلا ما نصت عليه آيات في التشريع والحدود واردة في القرآن الكريم واستهدفت حيوانات معينة، وأهمها توضيحا وحسما هي الآية 145 من سورة الأنعام «قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير، فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم» وهي ما يعتمد عليها الشيخ عبد الحميد لحسم السؤال حول أي حشرة أو حيوان يرغب الإنسان بأكله، إضافة لاعتماده على آيات أخريات ومن السنة النبوية الشريفة، وفي مصادر من السيرة النبوية، كزاد المعاد وسيرة ابن هشام ومختصر السيرة وغيرها، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم «ما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه»، فقد ترك أكل الضب مثلا لأنه لم يكن معتادا عليه، ولم يحرّمه على الأمة، بل أكله أحدهم على مائدته وهو ينظر إليه، ولم يكن الذي أكله أمامه سوى خالد بن الوليد، قائد معركة اليرموك، رضي الله عنه. وقد أكل الرسول الأعظم، بحسب ما ورد في السير، لحم الجزور ولحم الحبارى ولحم حمار الوحش. أما الضب، وهو نوع من المعرّشات السحالية، فإن الحديث حوله ورد عن مالك عن نافع عن ابن عمر، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم، سئل عن الضب فقال: «لست بآكله، ولا محرّمه». كما ورد أيضا في السيرة أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، أكل ضبا والرسول الأعظم ينظر إليه، بحسب ما نقل عن مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد، وفي رواية أخرى عن خالد بن الوليد وابن عباس معا، من أنهما دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة «فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله بيده، فقالت بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: «خبروا رسول الله ما يريد أن يأكل» فقالوا: «هو ضب يا رسول الله» فرفع رسول الله يده، فقلت: «أحرام هو» ؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه». قال خالد: «فاجتررته، فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر». وسألت «الشرق الأوسط» الشيخ عبد الحميد عن أكل الإنسان للحم إنسان آخر، فقال هو حرام بموجب الشريعة، كلحم الخنزير تماما، وذلك اعتمادا على آية «ولا يغتب بعضكم بعضا. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» وهي من سورة «الحجرات» في القرآن الكريم، كنا يا سماحة الشيخ نستغرب ما يأكله الصينيون وبعض شعوب دول الشرق البعيدة في آسيا، كالنمل والديدان والكلاب والقرود وغيرها، فإذا بها مباحة لنا وحلال علينا من دون أن نعرف، فلماذا لا نضمها إلى موائدنا؟ نستغرب لأننا نجهل أمور ديننا الحنيف، إن ما يأكله الصينيون وغيرهم مما ذكرت من حشرات وحيوانات هو حلال أكله على المسلم أيضا، إلا إذا عافته النفس، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل الضب، لا لأنه حرام، بل لأن نفسه عافته، بل أكله أحدهم أمامه، لذلك يمكن للمسلم أكل أي حيوان، غير الوارد تحريمه في القرآن، وكذلك يمكنه أكل أي حشرة. * حتى ولو ذبابة مثلا ؟ ـ الذباب حلال لمن لا تعافه نفسه.. ولكن من يأكل هذه الحشرة، فهي مقرفة، والفراشة ؟ ـ يمكنك أكلها إذا أردت.
* القرود والجرذان أيضا؟ ـ ما المانع إذا لم تعافها النفس.. القرود والجرذان حلال لحومها.. المسألة هي تقاليد وعادات، فهناك شعوب اعتادت أكل حيوان معين وأخرى تعاف منها.. في الأردن رأيت بعض الأشخاص يأكلون اللحم مع اللبن، فعافته نفسي أول مرة، ثم وجدت أنني اعتدت عليه فيما بعد، وهكذا.
* لنمضِ أكثر في تعداد البقية، فهل من الحلال أكل الكلاب والقطط والبغال والحمير ؟ ـ كلها حلال طبعا. * قلت إن أكل إنسان للحم إنسان آخر حرام، ولكن قد يضطر الواحد منا لأكله، فماذا يفعل؟ ـ الإسلام أباح أكل الإنسان للحم إنسان آخر، كما أكل الخنزير أو حتى ابتلاع كمية من الخمور في حالات اضطرارية لا حل آخر معها، فإذا كان الإنسان مقبلا على الموت جوعا يمكنه في هذه الحالة اقتطاع شريحة من لحم إنسان آخر ميت أمامه، على أن تكون لسد الجوع فقط، لا للشبع التام، بحيث ينقذ نفسه من الهلاك، وحين صنف القرآن الكريم تحريم أكل الخنزير وغيره، تطرق إلى حالة الاضطرار أيضا، فقال سبحانه: «حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب..» وهي بعض الآية 3 من سورة «المائدة» حيث تنتهي بقوله سبحانه : «.. فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم». فما حكم ما يقول هذا الشيخ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه قد ذكر ابن كثير والقرطبي والشوكاني وابن حجر أن آية الأنعام ليس عليها الاعتماد في التحريم والتحليل لأنها مكية، وقد نزلت ردا على ما حرمه العرب من تلقاء أنفسهم ، وقد نزل بعد هذه الآية بالمدينة التصريح بتحريم أشياء أخرى، وصرحت الأحاديث بتحريم بعض الأشياء منها تحريم كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير، وتحريم الخبائث، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض الأشياء، وأمر بقتل بعضها فاستنبط أهل العلم تحريم تلك الأشياء.

ففي الحديث: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب السبع... رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

وقد سبقت لنا عدة فتاوى في المسائل التي سألت عنها، فراجع فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10466، 804، 52353، 5961، 51420، 55991، 31943، 34876، 16219، 23482، 52769، 9791، 47760، 42999، 8361، 6021، 4588، 34186.28803

وأما ما ذكرت في لحم الإنسان فالمعتمد عند المالكية والحنابلة عدم جوازه للمضطر كما صرح به شراح خليل، والمرداوي في الإنصاف، والبهوتي في كشاف القناع، وفصل الشافعية فجوزوا للمضطر قتل الحربي والمرتد لكونهما غير معصومي الدم، واختلف عندهم في المحارب والزاني والمحصن وتارك الصلاة ونساء أهل الحرب والآدمي الميت، وقد فصل القول في هذا النووي في المجموع وعزا الأقوال لقائليها فراجعه.

وأما الخمر فجوزوها للمضطر لإزالة الغصص بها، وأما شربها لإزالة العطش أو الجوع فالذي عليه الجمهور عدم جوازه لأنها لا تدفع العطش، وقيد الحنابلة المنع بعدم مزجها بما يروي العطش، وذهب إلى جوازه الحنفية وقيدو الجواز بقولهم (إن كانت الخمر ترد ذلك العطش).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني