الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقيدة أهل السنة في المهدي، وأدلة خروجه وصفته

السؤال

هل لدى أهل السًنة عقيدة بالمهدي، ومَنْ هُوَ عندهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فيعتقد أهل السنة أن من أشراط الساعة خروج المهدي آخر الزمان، فيملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويفيض المال.

وقد جاءت السنة ببيان اسمه وصفته ومكان خروجه، فمن ذلك:
1- ما رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تذهب، أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطيء اسمه اسمي. وفي رواية لأبي داود: يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي". والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر، والألباني.
2- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلاً، كما ملئت ظلمًا وجوراً، يملك سبع سنين. رواه أبو داود، والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
3- وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. رواه أبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني.
4- وعن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المهدي منَّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة. رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر، والألباني. قال ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم: أي يتوب الله عليه، ويوفقه ويلهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك. اهـ.
5- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً. يعني حججا. رواه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات.
6- وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئاً لم أحفظه، فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي. رواه ابن ماجه، والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح.
قال ابن كثير: والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان، يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دل على ذلك بعض الأحاديث. انتهى.

وقال ابن كثير أيضاً: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان، فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامرا، كما يزعمه جهلة الرافضة من وجوده فيه الآن، وهم ينتظرون آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لا من كتاب، ولا سنة، ولا معقول صحيح، ولا استحسان. انتهى.

وقال ابن القيم في المنار المنيف: ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا؟ فعلى عقولكم العفـاء فإنكم ثلثتم العنقـاء والغيلانـا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل. انتهى.
7- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم. رواه البخاري ومسلم.
8- وعن جابر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة. رواه مسلم. وفي رواية عند الحارث بن أبي أسامة: فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا..." الحديث، قال عنه ابن القيم في المنار المنيف: هذا إسناد جيد.

فهذا بعض ما ورد في ذكر المهدي وخروجه آخر الزمان. وليعلم أن أحاديثه بلغت حد التواتر، كما صرح بذلك جماعة من أهل العلم.

قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدّ من معتقداتهم. إلى أن قال: وقد روي عمن ذُكر من الصحابة وغير من ذُكر منهم -رضي الله عنهم-، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. انتهى.

وقال الشوكاني: والأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول... انتهى.

وقد أنكر جماعة خروج المهدي محتجين بحديث: ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم. وهو حديث رواه ابن ماجه، والحاكم، لكنه ضعيف كما جزم بذلك جماعة، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني