قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما من فلا عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض } فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح . وإن زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول [ ص: 8 ] دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق ; لأنه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الفرض ) . رفع القلم عن ثلاثة
التالي
السابق
( الشرح ) من ، كمن جن أو أغمي عليه أو زال عقله بمرض أو بشرب دواء لحاجة أو أكره على شرب مسكر فزال عقله فلا صلاة عليه ، وإذا أفاق فلا قضاء عليه ، بلا خلاف للحديث ، سواء قل زمن الجنون والإغماء أو كثر . هذا مذهبنا ، وقال زال عقله بسبب غير محرم رحمه الله : أبو حنيفة وإن كان أكثر فلا ، ونقل إن كان الإغماء دون يوم وليلة لزمه قضاء ما فات فيه ، عن ابن حزم عمار بن ياسر وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان أن المغمى عليه يقضي ، دليلنا القياس على المجنون وعلى ما فوق يوم وليلة ، أما إذا زال عقله بمحرم بأن شرب المسكر عمدا عالما به مختارا ، أو شرب دواء لغير حاجة ، وهو مما يزول به العقل ، فزال عقله لم تصح صلاته في ذلك الحال ، فإذا عاد عقله لزمه القضاء . قال وقتادة رحمه الله في الأم : أقل السكر أن يذهب عنه لغلبته بعض ما لم يكن يذهب ، وقال الشافعي في موضع آخر : ( السكران من اختل كلامه المنظوم ، وباح بسره المكتوم ) وقال أصحابنا : هو أن تختل أحواله فلا تنتظم أفعاله وأقواله ، وإن كان له بقية تمييز وفهم كلام ، فأما من حصل له بشرب الخمر نشاط وهزة لدبيب الخمر ولكن لم يستول عليه بعد ولم يختل شيء من عقله فهو في حكم الصاحي ، فتصح صلاته في هذه الحال وجميع تصرفاته بلا خلاف ولا ينتقض وضوءه ، وقد سبق هذا في باب ما ينقض الوضوء ، وسنعيد إيضاحها في كتاب الطلاق وحيث بسطه الشافعي المصنف والأصحاب إن شاء الله تعالى .
( فرع ) قد ذكرنا أن ولا إعادة سواء كثر زمن الجنون والإغماء ونحوهما أم قل ، حتى لو كان لحظة أسقط فرض الصلاة . ويتصور إسقاط الفرض بجنون لحظة وإغماء لحظة فيما الجنون والإغماء وما في معناهما مما يزيل العقل بغير معصية يمنع وجوب الصلاة إذا بلغ مجنونا وقد بقي من وقت الصلاة لحظة ثم زال الجنون عقب خروج الوقت . وحكى أصحابنا عن أنه قال : يلزم المغمى عليه بعد الإفاقة قضاء يوم وليلة ، ولا يلزمه ما زاد . وقال أبي حنيفة يلزمه الجميع وإن كثر . [ ص: 9 ] وروي هذا عن أحمد طاوس وعطاء ، وروي مثل مذهبنا عن ومجاهد مالك ، والله أعلم . وأحمد
( فرع ) قال أصحابنا : كما أشار إليه يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة ، المصنف بقوله : شرب دواء من غير حاجة ، وإذا زال عقله والحالة هذه لم يلزمه قضاء الصلوات بعد الإفاقة ; لأنه زال بسبب غير محرم ، ولو فوجهان أصحهما جوازه ، وسنوضح هذه المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها في باب حد الخمر . أما احتيج في قطع يده المتآكلة إلى تعاطي ما يزيل عقله قال الشيخ إذا أراد تناول دواء فيه سم ، في التعليق وصاحب البيان : قال أبو حامد رحمه الله في كتاب الصلاة : إن غلب على ظنه أنه يسلم منه جاز تناوله ، وإن غلب على ظنه أنه لا يسلم منه لم يجز ، وذكر في كتاب الأطعمة أن في تناوله إذا كان الغالب منه السلامة قولين ، قال الشيخ الشافعي أبو حامد والبندنيجي فإن حرمناه وزال عقله بتناوله وجب القضاء ، وإن لم نحرمه فلا قضاء .
( فرع ) قال أصحابنا رحمهم الله : كالإغماء ، فإن علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر وجب القضاء لتقصيره وتعاطيه الحرام . وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات ، ويجب فيه التعزير دون الحد ، والله أعلم . إذا لم يعلم كون الشراب مسكرا أو كون الدواء مزيلا للعقل لم يحرم تناوله ، ولا قضاء عليه
( فرع ) لو فإن فعله لحاجة فلا قضاء ، وإن فعله عبثا لزمه القضاء . هكذا نص عليه وثب من موضع فزال عقله ونقله الشيخ الشافعي عن النص ، واتفق الأصحاب عليه ، ولو أبو حامد فلا قضاء على أصح الوجهين ، وستأتي المسألة مبسوطة في صفة الصلاة مع نظائرها إن شاء الله تعالى . وثب لغير حاجة فانكسرت رجله فصلى قاعدا