وقد اختلف أصحابنا في
nindex.php?page=treesubj&link=3087_3076الإمام إذا أخذ الزكاة قهرا : هل تجزئه في الباطن ؟ على وجهين ، مع أنها لا تستعاد منه .
أحدهما : لا تجزيه لعدم النية مع القدرة عليها .
والثاني : أن نية الإمام تقوم مقام نية الممتنع ; لأن الإمام نائب المسلمين في أداء الحقوق الواجبة عليهم . والأول أصح ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذها منهم بإعطائهم إياها ، وقد صرح القرآن بنفي قبولها ; لأنهم ينفقون وهم كارهون . فعلم أنه إن أنفق مع كراهة الإنفاق لم تقبل منه ، كمن صلى رياء .
لكن لو
تاب المنافق والمرائي : فهل تجب عليه في الباطن الإعادة ؟ أو تنعطف توبته على ما عمله قبل ذلك فيثاب عليه ، أو لا يعيد ولا يثاب .
أما الإعادة فلا تجب على المنافق قطعا ; لأنه قد تاب من المنافقين جماعة عن النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أحدا منهم بالإعادة . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة } .
وأيضا : فالمنافق كافر في الباطن ، فإذا آمن فقد غفر له ما قد سلف ، فلا يجب عليه القضاء ، كما لا يجب على الكافر المعلن إذا أسلم .
وأما ثوابه على ما تقدم مع التوبة : فيشبه الكافر إذا عمل صالحا في كفره ، ثم أسلم هل يثاب عليه ؟ ففي الصحيحين . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لحكيم بن حزام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598794أسلمت على ما سلف لك من خير } .
وأما المرائي إذا تاب من الرياء مع كونه كان يعتقد الوجوب ، فهو شبيه بالمسألة التي نتكلم فيها ، وهي مسألة من لم يلتزم أداء الواجب ، وإن لم يكن كافرا في الباطن ، ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة .
فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة يصلي ولا يزكي ، وقد لا يصوم أيضا ، ولا يبالي من أين كسب المال : أمن حلال ؟ أم من حرام ؟ ولا يضبط حدود النكاح والطلاق ، وغير ذلك ، فهو في جاهلية ، إلا أنه منتسب إلى الإسلام ، فإذا هداه الله وتاب عليه . فإن أوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات ، وأمر برد جميع ما
[ ص: 22 ] اكتسبه من الأموال ، والخروج عما يحبه من الإبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا ، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام ، الذي كان عليه ; فإن توبته من الكفر رحمة ، وتوبته وهو مسلم عذاب .
وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليسلم فيغفر له ما قد سلف ; لأن التوبة عنده متعذرة عليه ، أو متعسرة على ما قد قيل له واعتقده من التوبة ، ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة ، وهو شبيه بالمؤيس للناس من رحمة الله .
ووضع الآصار ثقيلة ، والأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله ، فإن الله يحب التوابين ، ويحب المتطهرين . والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه ، بعد اليأس منه .
فينبغي لهذا المقام أن يحرر ، فإن كفر الكافر لم يسقط عنه ما تركه من الواجبات ، وما فعله من المحرمات ، لكون الكافر كان معذورا ، بمنزلة المجتهد فإنه لا يعذر بلا خلاف ، وإنما غفر له لأن الإسلام توبة ، والتوبة تجب ما قبلها ، والتوبة توبة من ترك تصديق وإقرار ، وترك عمل وفعل فيشبه - والله أعلم - أن يجعل حال هؤلاء في جاهليتهم كحال غيرهم .
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3087_3076الْإِمَامِ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ قَهْرًا : هَلْ تُجْزِئُهُ فِي الْبَاطِنِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُسْتَعَادُ مِنْهُ .
أَحَدِهِمَا : لَا تُجْزِيهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمُمْتَنِعِ ; لِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ . وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ بِإِعْطَائِهِمْ إيَّاهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِنَفْيِ قَبُولِهَا ; لِأَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ وَهُمْ كَارِهُونَ . فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ أَنْفَقَ مَعَ كَرَاهَةِ الْإِنْفَاقِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ، كَمَنْ صَلَّى رِيَاءً .
لَكِنْ لَوْ
تَابَ الْمُنَافِقُ وَالْمُرَائِي : فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ الْإِعَادَةُ ؟ أَوْ تَنْعَطِفُ تَوْبَتُهُ عَلَى مَا عَمِلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيُثَابَ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا يُعِيدُ وَلَا يُثَابُ .
أَمَّا الْإِعَادَةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُنَافِقِ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ جَمَاعَةٌ عَنْ النِّفَاقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } .
وَأَيْضًا : فَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ ، فَإِذَا آمَنَ فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا قَدْ سَلَفَ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْمُعْلِنِ إذَا أَسْلَمَ .
وَأَمَّا ثَوَابُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَعَ التَّوْبَةِ : فَيُشْبِهُ الْكَافِرَ إذَا عَمِلَ صَالِحًا فِي كُفْرِهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ ؟ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ . أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598794أَسْلَمْت عَلَى مَا سَلَفَ لَك مِنْ خَيْرٍ } .
وَأَمَّا الْمُرَائِي إذَا تَابَ مِنْ الرِّيَاءِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ يَعْتَقِدُ الْوُجُوبَ ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ أَدَاءَ الْوَاجِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ ، فَفِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ تَنْفِيرٌ عَظِيمٌ عَنْ التَّوْبَةِ .
فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَعِيشُ مُدَّةً طَوِيلَةً يُصَلِّي وَلَا يُزَكِّي ، وَقَدْ لَا يَصُومُ أَيْضًا ، وَلَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَسَبَ الْمَالَ : أَمِنْ حَلَالٍ ؟ أَمْ مِنْ حِرَامٍ ؟ وَلَا يَضْبِطُ حُدُودَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَهُوَ فِي جَاهِلِيَّةٍ ، إلَّا أَنَّهُ مُنْتَسِبٌ إلَى الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا هَدَاهُ اللَّهُ وَتَابَ عَلَيْهِ . فَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءَ جَمِيعِ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَأَمَرَ بِرَدِّ جَمِيعِ مَا
[ ص: 22 ] اكْتَسَبَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ ، وَالْخُرُوجِ عَمَّا يُحِبُّهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ صَارَتْ التَّوْبَةُ فِي حَقِّهِ عَذَابًا ، وَكَانَ الْكُفْرُ حِينَئِذٍ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْلَامِ ، الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مِنْ الْكُفْرِ رَحْمَةٌ ، وَتَوْبَتُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ عَذَابٌ .
وَأَعْرِفُ طَائِفَةً مِنْ الصَّالِحِينَ مَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ كَافِرًا لِيُسْلِمَ فَيُغْفَرَ لَهُ مَا قَدْ سَلَفَ ; لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَهُ مُتَعَذِّرَةٌ عَلَيْهِ ، أَوْ مُتَعَسِّرَةٌ عَلَى مَا قَدْ قِيلَ لَهُ وَاعْتَقَدَهُ مِنْ التَّوْبَةِ ، ثُمَّ هَذَا مُنَفِّرٌ لِأَكْثَرِ أَهْلِ الْفُسُوقِ عَنْ التَّوْبَةِ ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُؤَيِّسِ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ .
وَوَضْعُ الْآصَارِ ثَقِيلَةٌ ، وَالْأَغْلَالُ عَظِيمَةٌ عَلَى التَّائِبِينَ الَّذِينَ هُمْ أَحَبَابُ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، وَيُحِبَّ الْمُتَطَهِّرِينَ . وَاَللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ الْوَاجِدِ لِمَالِهِ الَّذِي بِهِ قُوَامُهُ ، بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ .
فَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمُقَامِ أَنْ يُحَرَّرَ ، فَإِنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، لِكَوْنِ الْكَافِرِ كَانَ مَعْذُورًا ، بِمَنْزِلَةِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا غُفِرَ لَهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ تَوْبَةٌ ، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ، وَالتَّوْبَةُ تَوْبَةٌ مِنْ تَرْكِ تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ ، وَتَرْكِ عَمَلٍ وَفِعْلٍ فَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُجْعَلَ حَالُ هَؤُلَاءِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ كَحَالِ غَيْرِهِمْ .