الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 198 ] قال ( وإذا nindex.php?page=treesubj&link=5883أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري جارية فيطأها ففعل فهي له بغير شيء عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقالا : يرجع عليه بنصف الثمن ) لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة ( وهذا ) لأن الملك واقع له خاصة والثمن بمقابلة الملك . وله أن الجارية دخلت في الشركة على البتات جريا على مقتضى الشركة إذ هما لا يملكان تغييره فأشبه حال عدم الإذن ، غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه ; لأن الوطء لا يحل إلا بالملك ، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما بينا أنه مخالف مقتضى الشركة فأثبتناه بالهبة الثابتة [ ص: 199 ] في ضمن الإذن ، بخلاف الطعام والكسوة ; لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة فيقع الملك له خاصة بنفس العقد فكان مؤديا دينا عليه من مال الشركة . وفي مسألتنا قضى دينا عليهما لما بينا ( وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء ) بالاتفاق لأنه دين وجب بسبب التجارة ، والمفاوضة تضمنت الكفالة فصار كالطعام والكسوة .
( قوله وإذا nindex.php?page=treesubj&link=5883أذن أحد المتفاوضين للآخر أن يشتري جارية ويطأها ففعل ) وأدى جميع ثمنها من مال الشركة ( فهي له بغير شيء عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقالا : يرجع عليه ) شريكه ( بنصف ) ما أدى ( لأنه أدى دينا عليه من مال الشركة ) ; لأن الملك فيها له خاصة كطعام أهله ( وله أن الجارية دخلت في الشراء على الشركة ) جريا على موجب المفاوضة ( إذ لا يملكان تغييره فكان كحال عدم الإذن ) ثم ( الإذن ) له بالوطء ( يتضمن هبة نصيبه منه ) إذ ( لا يحل إلا في ملك ولا يمكن إثباته بالبيع ) الصادر من البائع لأحد الشريكين ( لما بينا ) من عدم ملكهما [ ص: 199 ]
تغيير مقتضى العقد ، ولا من الشريك لعدم تعيين الثمن فكان هبة وإن كان شائعا . واستشكل بأنه لو ثبت الملك حكما للإحلال لكان قول الرجل للرجل أحللت لك وطء هذه الأمة تمليكا لها منه وهو منتف . وأجيب بالفرق بأن الجارية المشتركة أقبل لتملك الشريك لها من الجارية التي لا يملك المخاطب بالإحلال شقصا منها ، ولذا كان أحد الشريكين يملكها بالاستيلاد دون الأجنبي ، فأما من له حق التملك كالأب والجد فالرواية غير محفوظة في تملك الجارية بالإحلال .
كتاب الوقف
مناسبته بالشركة أن كلا منهما يراد لاستبقاء الأصل مع الانتفاع بالزيادة عليه ، إلا أن الأصل في الشركة [ ص: 200 ] مستبقى في ملك الإنسان ، وفي الوقف مخرج عنه عند الأكثر ، ومحاسن الوقف ظاهرة وهي الانتفاع الدار الباقي على طبقات المحبوبين من الذرية والمحتاجين من الأحياء والموتى لما فيه من إدامة العمل الصالح ، كما في الحديث المعروف { nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية } الحديث ، ثم يحتاج إلى تفسيره لغة وشرعا ، وبيان سببه وشرطه وركنه وحكمه ، أما تفسيره لغة فالحبس مصدر وقفت أقف حبست ، قال عنترة :
ووقفت فيها ناقتي فكأنها فدن لأقضي حاجة المتلوم
وهو أحد ما جاء على فعلته ففعل يتعدى ولا يتعدى ، ويجتمعان في قولك وقفت زيدا أو الحمار فوقف ، وأما أوقفته بالهمز فلغة رديئة .
وقال أبو الفتح بن جني : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان المازني قال : يقال وقفت داري وأرضي ولا يعرف أوقفت من كلام العرب ، ثم اشتهر المصدر : أعني الوقف في الموقوف . فقيل هذه الدار وقف ، فلذا جمع على أفعال فقيل وقف وأوقاف كوقت وأوقات .
وأما شرعا : فحبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها أو صرف منفعتها على من أحب وعندهما حبسها لا على ملك أحد غير الله تعالى
إلخ . وقد انتظم هذا بيان حكمه وسيأتي تمامه فلا حاجة لإفراده هنا أيضا . وإنما قلنا : أو صرف منفعتها ; لأن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء بلا قصد القربة ، وهو وإن كان لا بد في آخره من القربة بشرط التأبيد ، وهو بذلك كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل انقراض الأغنياء بلا تصدق . nindex.php?page=treesubj&link=4234وسببه إرادة محبوب النفس في الدنيا بين الأحياء . وفي الآخرة بالتقرب إلى رب الأرباب جل وعز . وأما nindex.php?page=treesubj&link=4238_4239_4357شرطه فهو الشرط في سائر التبرعات من كونه حرا بالغا عاقلا ، وأن يكون منجزا غير معلق ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4358قال : إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا يصير وقفا ، وأما الإسلام فليس بشرط ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4241وقف الذمي على ولده ونسله ، وجعل آخره للمساكين جاز ، ويجوز أن يعطي لمساكين المسلمين وأهل الذمة ، وإن خص في وقفه مساكين أهل الذمة جاز ، ويفرق على اليهود والنصارى والمجوس منهم إلا إن خص صنفا منهم ، فلو دفع القيم إلى غيرهم كان ضامنا ، وإن قلنا إن الكفر كله ملة واحدة . ولو nindex.php?page=treesubj&link=4241وقف على ولده ونسله ثم للفقراء على أن من أسلم من ولده فهو خارج من الصدقة لزم شرطه ، وكذا إن قال من انتقل إلى غير النصرانية خرج اعتبر نص على ذلك الخصاف . ولا نعلم أحدا من أهل المذهب تعقبه غير متأخر يسمى الطرسوسي شنع بأنه جعل الكفر سبب الاستحقاق والإسلام سببا للحرمان ، وهذا للبعد من الفقه
فإن nindex.php?page=treesubj&link=4323_4243شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع ، والواقف مالك له أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية ، وله أن يخص صنفا من الفقراء دون صنف ، وإن كان الوضع في كلهم قربة ، ولا شك أن nindex.php?page=treesubj&link=4312_2983التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن تدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء ؟ أرأيت لو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على فقراء أهل الذمة ولم يذكر غيرهم أليس يحرم منه فقراء المسلمين ، ولو دفع المتولي إلى المسلمين كان ضامنا فهذا مثله ، والإسلام ليس سببا للحرمان بل الحرمان لعدم تحقق سبب تملكه هذا المال ، والسبب هو إعطاء الواقف المالك ، وشرط صحة وقفه أن يكون قربة عندنا وعندهم ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4323_4312وقف على بيعة مثلا فإذا خربت يكون للفقراء كان ابتداء ، ولو لم يجعل آخره للفقراء كان ميراثا عنه [ ص: 201 ] نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف في وقفه ولم يحك خلافا .
ومعلوم أن خلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في الوصية فإنه إنما شرط أن يكون قربة عند هم ; فقال صاحب المحيط : الوقف كالوصية ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4404أنكر فشهد عليه ذميان عدلان في ملتهم قضي عليه بالوقف ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على أن يحج به أو يعتمر لم يجز ; لأنه ليس قربة عندهم ، بخلاف ما لو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على مسجد بيت المقدس فإنه يجوز ; لأنه قربة عندنا وعندهم . وأما nindex.php?page=treesubj&link=4242المرتد إذا وقف حال ردته ففي قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة هو موقوف إن قتل على ردته أو مات بطل وقفه . وقول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد إذا انتحل دينا جاز منه ما نجيزه لأهل ذلك الدين . أما المرتدة nindex.php?page=showalam&ids=11990فأبو حنيفة يجيز وقفها لأنها لا تقتل .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=4242المسلم إذا وقف وقفا صحيحا في أي وجه كان ثم ارتد يبطل الوقف ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا إن أعاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف في وقف المرتدين خلافا بين أصحابنا مبنيا على الخلاف في nindex.php?page=treesubj&link=4241الذمي يتزندق يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ، قال بعضهم : أقره على ما اختاره وأقر الجزية عليه لأني إن أخذته بالرجوع فإنما أرده من كفر إلى كفر ولا أرى ذلك .
وقال بعضهم : لا أقره على الزندقة . وأما الصابئة فإن كانوا دهرية يقولون ما يهلكنا إلا الدهر فهم صنف من الزنادقة ، وإن كانوا يقولون بقول أهل الكتاب صح من وقوفهم ما يصح من أهل الذمة ، وجميع أهل الأهواء بعد كونهم من أهل القبلة ، حكم وقفهم ووصاياهم حكم أهل الإسلام ; ألا ترى إلى قبول شهاداتهم على المسلمين فهذا حكم بإسلامهم .
وأما الخطابية فإنما لم يقبلوا ; لأنه قيل إنهم يشهد بعضهم لبعض بالزور على من خالفهم . وقيل لأنهم يتدينون صدق المدعي إذا حلف أنه محق . ومن الشروط الملك وقت الوقف ، حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=23876غصب أرضا فوقفها ، ثم اشتراها من مالكها ودفع ثمنها إليه أو صالح على مال دفعه إليه لا تكون وقفا ; لأنه إنما ملكها بعد أن وقفها ، هذا على أنه هو الواقف . أما لو nindex.php?page=treesubj&link=26297وقف ضيعة غيره على جهات فبلغ فأجازه جاز بشرط الحكم والتسليم أو عدمه على الخلاف الذي سنذكره ، وهذا هو المراد بجواز وقف الفضولي ، وستأتيك فروع أخر مبنية على هذا الشرط . ومن شرطه أن لا يكون محجورا عليه ، حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=4237حجر القاضي عليه لسفه أو دين فوقف أرضا له لا يجوز ; لأن حجره عليه كي لا يخرج ماله عن ملكه ليضر بأرباب الديون أو بنفسه كذا أطلقها nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف . وينبغي أنه إذا وقفها في الحجر للسفه على نفسه ، ثم لجهة لا تنقطع أن يصح على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به حاكم ، هذا وأما عدم تعلق حق الغير كالرهن والإجارة فليس بشرط ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=23876أجر أرضا عامين فوقفها قبل مضيها لزم الوقف بشرطه فلا يبطل عقد الإجارة ، فإذا انقضت المدة رجعت الأرض إلى ما جعلها له من الجهات ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=23876رهن أرضه ثم وقفها قبل أن يفتكها لزم الوقف ولا تخرج عن الرهن بذلك ، ولو أقامت سنين في يد المرتهن [ ص: 202 ] فافتكها تعود إلى الجهة ، فلو مات قبل الافتكاك وترك قدر ما يفتك به افتك ولزم الوقف ، وإن لم يترك وفاء بيعت وبطل الوقف ، وفي الإجارة إذا nindex.php?page=treesubj&link=6170_23876مات أحد المتآجرين تبطل وتصير وقفا .
وأما شرطه الخاص لخروجه عن الملك عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الإضافة إلى ما بعد الموت وهو الوصية به ، أو أن يلحقه حكم به . وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يشترط سوى كون المحل قابلا له من كونه عقارا أو دارا ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ذلك مع كونه مؤبدا مقسوما غير مشاع فيما يحتمل القسمة ومسلما إلى متول .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=4347_4346_4343_4348_4265ركنه فالألفاظ الخاصة كأن يقول أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين ، ولا خلاف في ثبوته بهذا اللفظ بعد شروطه .
ولا بأس أن نسوق شيئا من الألفاظ : أرضي هذه صدقة ، أو قال تصدقت بأرضي هذه على المساكين لا تكون وقفا بل نذرا يوجب التصدق بعينها أو بقيمتها ، فإن فعل خرج عن عهدة النذر وإلا ورثت عنه ، كمن عليه زكاة أو كفارة فمات بلا إيصاء تورث عنه ، وموقوفة فقط لا تصح إلا عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، فإنه يجعله بمجرد هذا اللفظ وقفا على الفقراء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي ، وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف : أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا ; لأن جهة الفقراء لا تنقطع .
قال الصدر الشهيد : ومشايخ بلخ يفتون بقول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، ونحن نفتي بقوله أيضا لمكان العرف ، وبهذا يندفع رد هلال قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بأن الوقف يكون على الغني والفقير ولم يبين فبطل ; لأن العرف إذا كان يصرفه للفقراء كان كالتنصيص عليهم ، فلو قال موقوفة على الفقراء صح عند هلال أيضا لزوال الاحتمال بالتنصيص على الفقراء ، بخلاف قوله محبوسة أو حبس ، ولو كان في حبس مثل هذا العرف يجب أن يكون كقوله موقوفة ، وكذا إذا قال للسبيل إذا تعارفوه وقفا مؤبدا على الفقراء كان كذلك وإلا سئل .
فإن قال : أردت الوقف صار وقفا ; لأنه محتمل لفظه ، أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها ، وإن لم ينو كانت ميراثا ذكره في النوازل . وقال في قوله جعلتها للفقراء إن تعارفوه وقفا عمل به وإلا سئل ، فإن أراد الوقف فهي وقف أو الصدقة فهو نذر ، وكذا عند عدم النية ; لأنه أدنى ، فإثباته به عند الاحتمال أولى .
واعترضه في فتاوى الخاصي بأنه لا فرق بينهما ، وذكر في إحداهما إذا لم تكن له نية يكون ميراثا ، ولا يخفى أن كونه ميراثا لا ينافي كونه نذرا ; لأن المنذور به إذا مات الناذر ولم يوف بنذره يكون ميراثا إلا أنه اقتصر على تمام التفصيل في إحداهما ، وإلا فلا شك أن في كل منهما إذا لم تكن له نية يكون نذرا ، فإن مات ولم يتصدق به ولا بقيمته يكون ميراثا ; ولو قال صدقة موقوقة فهلال nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف وغيرهما على صحته ; لأنه لما ذكر صدقة عرف مصرفه ، وانتفى بقوله موقوفة احتمال كونه نذرا ، وكذلك حبس صدقة . وكذلك صدقة محرمة . قيل ومحرمة بمنزلة وقف وهي معروفة عند أهل الحجاز ، بخلاف ما لو قال حبس أو محبوسة موقوفة ; لأنه بمعنى موقوفة فكان كإفراد لفظ موقوفة .
وفي النوازل : لو nindex.php?page=treesubj&link=4262_4342قال جعلت نزل كرمي وقفا وفيه ثمر أو لا يصير الكرم وقفا ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=4346_4347قال جعلت غلته وقفا تصحيحا للكلام ما أمكن كأنه قال جعلت كرمي بما فيه وقفا ، وينبغي أن لا تدخل الثمار لما سنذكره ; ولو زاد فقال صدقة موقوفة على الفقراء ينبغي أن لا يختلف فيه ، كما لو قال مع [ ص: 203 ] ذلك مؤبدا ، وهو موضع اتفاق مجيزي الوقف على أنها العبارة الوافية ، إلا أن قوله في الأسرار ولو لم يقل مؤبدا كان وقفا على قول عامة من يجيز الوقف يفيد أن فيه خلافا ، ولا ينبغي فإن التأبيد أن يجعله في أول الأمر أو آخره لجهة لا تنقطع وجعله للفقراء يفيد ذلك .
وقوله موقوفة لله تعالى بمنزلة صدقة موقوفة
( قوله وإذا nindex.php?page=treesubj&link=5883أذن أحد المتفاوضين للآخر أن يشتري جارية ويطأها ففعل ) وأدى جميع ثمنها من مال الشركة ( فهي له بغير شيء عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقالا : يرجع عليه ) شريكه ( بنصف ) ما أدى ( لأنه أدى دينا عليه من مال الشركة ) ; لأن الملك فيها له خاصة كطعام أهله ( وله أن الجارية دخلت في الشراء على الشركة ) جريا على موجب المفاوضة ( إذ لا يملكان تغييره فكان كحال عدم الإذن ) ثم ( الإذن ) له بالوطء ( يتضمن هبة نصيبه منه ) إذ ( لا يحل إلا في ملك ولا يمكن إثباته بالبيع ) الصادر من البائع لأحد الشريكين ( لما بينا ) من عدم ملكهما [ ص: 199 ]
تغيير مقتضى العقد ، ولا من الشريك لعدم تعيين الثمن فكان هبة وإن كان شائعا . واستشكل بأنه لو ثبت الملك حكما للإحلال لكان قول الرجل للرجل أحللت لك وطء هذه الأمة تمليكا لها منه وهو منتف . وأجيب بالفرق بأن الجارية المشتركة أقبل لتملك الشريك لها من الجارية التي لا يملك المخاطب بالإحلال شقصا منها ، ولذا كان أحد الشريكين يملكها بالاستيلاد دون الأجنبي ، فأما من له حق التملك كالأب والجد فالرواية غير محفوظة في تملك الجارية بالإحلال .
كتاب الوقف
مناسبته بالشركة أن كلا منهما يراد لاستبقاء الأصل مع الانتفاع بالزيادة عليه ، إلا أن الأصل في الشركة [ ص: 200 ] مستبقى في ملك الإنسان ، وفي الوقف مخرج عنه عند الأكثر ، ومحاسن الوقف ظاهرة وهي الانتفاع الدار الباقي على طبقات المحبوبين من الذرية والمحتاجين من الأحياء والموتى لما فيه من إدامة العمل الصالح ، كما في الحديث المعروف { nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية } الحديث ، ثم يحتاج إلى تفسيره لغة وشرعا ، وبيان سببه وشرطه وركنه وحكمه ، أما تفسيره لغة فالحبس مصدر وقفت أقف حبست ، قال عنترة :
ووقفت فيها ناقتي فكأنها فدن لأقضي حاجة المتلوم
وهو أحد ما جاء على فعلته ففعل يتعدى ولا يتعدى ، ويجتمعان في قولك وقفت زيدا أو الحمار فوقف ، وأما أوقفته بالهمز فلغة رديئة .
وقال أبو الفتح بن جني : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان المازني قال : يقال وقفت داري وأرضي ولا يعرف أوقفت من كلام العرب ، ثم اشتهر المصدر : أعني الوقف في الموقوف . فقيل هذه الدار وقف ، فلذا جمع على أفعال فقيل وقف وأوقاف كوقت وأوقات .
وأما شرعا : فحبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها أو صرف منفعتها على من أحب وعندهما حبسها لا على ملك أحد غير الله تعالى
إلخ . وقد انتظم هذا بيان حكمه وسيأتي تمامه فلا حاجة لإفراده هنا أيضا . وإنما قلنا : أو صرف منفعتها ; لأن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء بلا قصد القربة ، وهو وإن كان لا بد في آخره من القربة بشرط التأبيد ، وهو بذلك كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل انقراض الأغنياء بلا تصدق . nindex.php?page=treesubj&link=4234وسببه إرادة محبوب النفس في الدنيا بين الأحياء . وفي الآخرة بالتقرب إلى رب الأرباب جل وعز . وأما nindex.php?page=treesubj&link=4238_4239_4357شرطه فهو الشرط في سائر التبرعات من كونه حرا بالغا عاقلا ، وأن يكون منجزا غير معلق ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4358قال : إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا يصير وقفا ، وأما الإسلام فليس بشرط ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4241وقف الذمي على ولده ونسله ، وجعل آخره للمساكين جاز ، ويجوز أن يعطي لمساكين المسلمين وأهل الذمة ، وإن خص في وقفه مساكين أهل الذمة جاز ، ويفرق على اليهود والنصارى والمجوس منهم إلا إن خص صنفا منهم ، فلو دفع القيم إلى غيرهم كان ضامنا ، وإن قلنا إن الكفر كله ملة واحدة . ولو nindex.php?page=treesubj&link=4241وقف على ولده ونسله ثم للفقراء على أن من أسلم من ولده فهو خارج من الصدقة لزم شرطه ، وكذا إن قال من انتقل إلى غير النصرانية خرج اعتبر نص على ذلك الخصاف . ولا نعلم أحدا من أهل المذهب تعقبه غير متأخر يسمى الطرسوسي شنع بأنه جعل الكفر سبب الاستحقاق والإسلام سببا للحرمان ، وهذا للبعد من الفقه
فإن nindex.php?page=treesubj&link=4323_4243شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع ، والواقف مالك له أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية ، وله أن يخص صنفا من الفقراء دون صنف ، وإن كان الوضع في كلهم قربة ، ولا شك أن nindex.php?page=treesubj&link=4312_2983التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن تدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء ؟ أرأيت لو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على فقراء أهل الذمة ولم يذكر غيرهم أليس يحرم منه فقراء المسلمين ، ولو دفع المتولي إلى المسلمين كان ضامنا فهذا مثله ، والإسلام ليس سببا للحرمان بل الحرمان لعدم تحقق سبب تملكه هذا المال ، والسبب هو إعطاء الواقف المالك ، وشرط صحة وقفه أن يكون قربة عندنا وعندهم ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=4323_4312وقف على بيعة مثلا فإذا خربت يكون للفقراء كان ابتداء ، ولو لم يجعل آخره للفقراء كان ميراثا عنه [ ص: 201 ] نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف في وقفه ولم يحك خلافا .
ومعلوم أن خلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في الوصية فإنه إنما شرط أن يكون قربة عند هم ; فقال صاحب المحيط : الوقف كالوصية ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4404أنكر فشهد عليه ذميان عدلان في ملتهم قضي عليه بالوقف ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على أن يحج به أو يعتمر لم يجز ; لأنه ليس قربة عندهم ، بخلاف ما لو nindex.php?page=treesubj&link=4312وقف على مسجد بيت المقدس فإنه يجوز ; لأنه قربة عندنا وعندهم . وأما nindex.php?page=treesubj&link=4242المرتد إذا وقف حال ردته ففي قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة هو موقوف إن قتل على ردته أو مات بطل وقفه . وقول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد إذا انتحل دينا جاز منه ما نجيزه لأهل ذلك الدين . أما المرتدة nindex.php?page=showalam&ids=11990فأبو حنيفة يجيز وقفها لأنها لا تقتل .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=4242المسلم إذا وقف وقفا صحيحا في أي وجه كان ثم ارتد يبطل الوقف ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا إن أعاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف في وقف المرتدين خلافا بين أصحابنا مبنيا على الخلاف في nindex.php?page=treesubj&link=4241الذمي يتزندق يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ، قال بعضهم : أقره على ما اختاره وأقر الجزية عليه لأني إن أخذته بالرجوع فإنما أرده من كفر إلى كفر ولا أرى ذلك .
وقال بعضهم : لا أقره على الزندقة . وأما الصابئة فإن كانوا دهرية يقولون ما يهلكنا إلا الدهر فهم صنف من الزنادقة ، وإن كانوا يقولون بقول أهل الكتاب صح من وقوفهم ما يصح من أهل الذمة ، وجميع أهل الأهواء بعد كونهم من أهل القبلة ، حكم وقفهم ووصاياهم حكم أهل الإسلام ; ألا ترى إلى قبول شهاداتهم على المسلمين فهذا حكم بإسلامهم .
وأما الخطابية فإنما لم يقبلوا ; لأنه قيل إنهم يشهد بعضهم لبعض بالزور على من خالفهم . وقيل لأنهم يتدينون صدق المدعي إذا حلف أنه محق . ومن الشروط الملك وقت الوقف ، حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=23876غصب أرضا فوقفها ، ثم اشتراها من مالكها ودفع ثمنها إليه أو صالح على مال دفعه إليه لا تكون وقفا ; لأنه إنما ملكها بعد أن وقفها ، هذا على أنه هو الواقف . أما لو nindex.php?page=treesubj&link=26297وقف ضيعة غيره على جهات فبلغ فأجازه جاز بشرط الحكم والتسليم أو عدمه على الخلاف الذي سنذكره ، وهذا هو المراد بجواز وقف الفضولي ، وستأتيك فروع أخر مبنية على هذا الشرط . ومن شرطه أن لا يكون محجورا عليه ، حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=4237حجر القاضي عليه لسفه أو دين فوقف أرضا له لا يجوز ; لأن حجره عليه كي لا يخرج ماله عن ملكه ليضر بأرباب الديون أو بنفسه كذا أطلقها nindex.php?page=showalam&ids=14224الخصاف . وينبغي أنه إذا وقفها في الحجر للسفه على نفسه ، ثم لجهة لا تنقطع أن يصح على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به حاكم ، هذا وأما عدم تعلق حق الغير كالرهن والإجارة فليس بشرط ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=23876أجر أرضا عامين فوقفها قبل مضيها لزم الوقف بشرطه فلا يبطل عقد الإجارة ، فإذا انقضت المدة رجعت الأرض إلى ما جعلها له من الجهات ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=23876رهن أرضه ثم وقفها قبل أن يفتكها لزم الوقف ولا تخرج عن الرهن بذلك ، ولو أقامت سنين في يد المرتهن [ ص: 202 ] فافتكها تعود إلى الجهة ، فلو مات قبل الافتكاك وترك قدر ما يفتك به افتك ولزم الوقف ، وإن لم يترك وفاء بيعت وبطل الوقف ، وفي الإجارة إذا nindex.php?page=treesubj&link=6170_23876مات أحد المتآجرين تبطل وتصير وقفا .
وأما شرطه الخاص لخروجه عن الملك عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الإضافة إلى ما بعد الموت وهو الوصية به ، أو أن يلحقه حكم به . وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا يشترط سوى كون المحل قابلا له من كونه عقارا أو دارا ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ذلك مع كونه مؤبدا مقسوما غير مشاع فيما يحتمل القسمة ومسلما إلى متول .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=4347_4346_4343_4348_4265ركنه فالألفاظ الخاصة كأن يقول أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين ، ولا خلاف في ثبوته بهذا اللفظ بعد شروطه .
ولا بأس أن نسوق شيئا من الألفاظ : أرضي هذه صدقة ، أو قال تصدقت بأرضي هذه على المساكين لا تكون وقفا بل نذرا يوجب التصدق بعينها أو بقيمتها ، فإن فعل خرج عن عهدة النذر وإلا ورثت عنه ، كمن عليه زكاة أو كفارة فمات بلا إيصاء تورث عنه ، وموقوفة فقط لا تصح إلا عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، فإنه يجعله بمجرد هذا اللفظ وقفا على الفقراء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي ، وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف : أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا ; لأن جهة الفقراء لا تنقطع .
قال الصدر الشهيد : ومشايخ بلخ يفتون بقول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، ونحن نفتي بقوله أيضا لمكان العرف ، وبهذا يندفع رد هلال قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بأن الوقف يكون على الغني والفقير ولم يبين فبطل ; لأن العرف إذا كان يصرفه للفقراء كان كالتنصيص عليهم ، فلو قال موقوفة على الفقراء صح عند هلال أيضا لزوال الاحتمال بالتنصيص على الفقراء ، بخلاف قوله محبوسة أو حبس ، ولو كان في حبس مثل هذا العرف يجب أن يكون كقوله موقوفة ، وكذا إذا قال للسبيل إذا تعارفوه وقفا مؤبدا على الفقراء كان كذلك وإلا سئل .
فإن قال : أردت الوقف صار وقفا ; لأنه محتمل لفظه ، أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها ، وإن لم ينو كانت ميراثا ذكره في النوازل . وقال في قوله جعلتها للفقراء إن تعارفوه وقفا عمل به وإلا سئل ، فإن أراد الوقف فهي وقف أو الصدقة فهو نذر ، وكذا عند عدم النية ; لأنه أدنى ، فإثباته به عند الاحتمال أولى .
واعترضه في فتاوى الخاصي بأنه لا فرق بينهما ، وذكر في إحداهما إذا لم تكن له نية يكون ميراثا ، ولا يخفى أن كونه ميراثا لا ينافي كونه نذرا ; لأن المنذور به إذا مات الناذر ولم يوف بنذره يكون ميراثا إلا أنه اقتصر على تمام التفصيل في إحداهما ، وإلا فلا شك أن في كل منهما إذا لم تكن له نية يكون نذرا ، فإن مات ولم يتصدق به ولا بقيمته يكون ميراثا ; ولو قال صدقة موقوقة فهلال nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف وغيرهما على صحته ; لأنه لما ذكر صدقة عرف مصرفه ، وانتفى بقوله موقوفة احتمال كونه نذرا ، وكذلك حبس صدقة . وكذلك صدقة محرمة . قيل ومحرمة بمنزلة وقف وهي معروفة عند أهل الحجاز ، بخلاف ما لو قال حبس أو محبوسة موقوفة ; لأنه بمعنى موقوفة فكان كإفراد لفظ موقوفة .
وفي النوازل : لو nindex.php?page=treesubj&link=4262_4342قال جعلت نزل كرمي وقفا وفيه ثمر أو لا يصير الكرم وقفا ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=4346_4347قال جعلت غلته وقفا تصحيحا للكلام ما أمكن كأنه قال جعلت كرمي بما فيه وقفا ، وينبغي أن لا تدخل الثمار لما سنذكره ; ولو زاد فقال صدقة موقوفة على الفقراء ينبغي أن لا يختلف فيه ، كما لو قال مع [ ص: 203 ] ذلك مؤبدا ، وهو موضع اتفاق مجيزي الوقف على أنها العبارة الوافية ، إلا أن قوله في الأسرار ولو لم يقل مؤبدا كان وقفا على قول عامة من يجيز الوقف يفيد أن فيه خلافا ، ولا ينبغي فإن التأبيد أن يجعله في أول الأمر أو آخره لجهة لا تنقطع وجعله للفقراء يفيد ذلك .