[ ص: 305 ] 32 - رفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : استعمال ألفاظ القرآن في المحاورات والمخاطبات والمجاوبات والإنشاءات ، والخطب ، والرسائل ، والمقامات مرادا بها غير المعنى الذي أريدت به في القرآن ، يسمى عند الصدر الأول من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم من الأئمة والعلماء ضرب مثل وتمثلا واستشهادا إذا كان في النثر ، وقد يسمى اقتباسا بحسب اختلاف المورد ، فإذا كان في الشعر سمي اقتباسا لا غير ، فأما الأول ، وهو الذي في النثر ، سواء كان تمثلا أو اقتباسا فجائز في مذهبنا بلا خلاف عندنا - نص عليه الأصحاب إجمالا وتفصيلا - واستعملوه في خطبهم وإنشائهم ورسائلهم ومقاماتهم .
أما النصوص فقالوا في باب الغسل : إنه يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=27215_731للجنب أن يورد ألفاظ القرآن لا بقصد القرآن ، وقالوا في باب شروط الصلاة : إن
nindex.php?page=treesubj&link=23393المصلي لو نطق بنظم القرآن لا بقصد القرآن ، بل بقصد التفهيم فقط بطلت صلاته ، فإن قصد القراءة والتفهيم معا لم تبطل ، ولم يحكوا في المسألة خلافا .
قال
النووي في شرح المهذب في باب الغسل ما نصه : قال أصحابنا : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=18637قال لإنسان : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12خذ الكتاب بقوة ) ولم يقصد القرآن جاز ، وكذا ما أشبهه ، وقال
الرافعي في الشرح : وأما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن فيجوز ، وفي الروضة مثله ، وقال
الأسنوي في شرح المنهاج عند قوله : ويحل إذا كان لا بقصد قرآن ، هذا الحكم لا يختص بأذكار القرآن ، بل يأتي أيضا في مواعظه وأحكامه وأخباره وغير ذلك ، كما دل عليه كلام
الرافعي ، فإنه عبر بقوله : أما إذا قرأ شيئا منه لا على قصد القرآن ، فيجوز هذه عبارته ، وذكر مثلها في الروضة ، وصرح
القاضي أبو الطيب في تعليقه بالأوامر انتهى .
وقال
الرافعي في باب شروط الصلاة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=22741أتى المصلي بشيء من نظم القرآن قاصدا به القراءة لم يضر ، وإن قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه الإمام أو غيره ، والفتح على من ارتج عليه ، وتفهيم الأمر من الأمور مثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=22741يقول لجماعة يستأذنون في الدخول : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادخلوها بسلام آمنين ) ، أو يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يايحيى خذ الكتاب بقوة ) وما أشبه ذلك ، ولا فرق بين أن يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية ، أو ينشئ قراءتها حينئذ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إذا قصد شيئا آخر سوى القراءة بطلت صلاته إلا أن يريد تنبيه الإمام ، والمار بين يديه ، وإن لم يقصد إلا الإفهام ، والإعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة ، كما لو أفهم بعبارة أخرى انتهى .
[ ص: 306 ] وذكر مثله في الشرح الصغير ، والمحرر ، وذكر
النووي مثله في الروضة ، وشرح المهذب ، والمنهاج ، وإنما بدأت بنقل كلام الشيخين ؛ لأن الاعتماد الآن في الفتيا على كلامهما ، وإلا فالمسألة متفق عليها بين الأصحاب ، قال إمام الحرمين في النهاية في باب شروط الصلاة : ولو قرأ المصلي آية ، أو بعضا من آية ، فأفهم بها كلاما مثل أن يقول : خذها بقوة ، أو يقول : وقد حضر جمع فاستأذنوا ادخلوها بسلام فإن لم تخطر له قراءة القرآن ، ولكن جرد قصده إلى الخطاب بطلت صلاته ، وإن قصد القراءة ، ولم يخطر له إفهام أحد بحيث لو دخلوا لم يرد دخولهم من معنى قوله فلا شك أن صلاته لا تبطل .
وإن قصد قراءة القرآن وقصد إفهامهم فالذي قطع به الأئمة : أن الصلاة لا تبطل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل الصلاة بهذا ، وقال في باب الغسل : لو قال الجنب شيئا من القرآن ، وقصد به غير القرآن لم يعص ، وإن أجراه على لسانه ولم يقصد قراءة ولا غيرها فقد كان شيخي يقول : لا يعصي وهذا مقطوع به انتهى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي في التهذيب : لو قال الجنب شيئا من القرآن لا بقصد قراءة القرآن فإنه يجوز ، وكذلك لو تكلم بكلمة توافق نظم القرآن ، وقال في باب شروط الصلاة : ولو تكلم بكلام موافق نظمه نظم القرآن ، مثل أن دق رجل الباب ، قال : ادخلوها بسلام ، أو أراد دفع كتاب ، فقال : يا يحيى خذ الكتاب نظر إن لم يكن قصد به قراءة القرآن بطلت صلاته ، وإن قصد قراءة القرآن وإعلامه لا تبطل ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة تبطل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في البسيط : إذا أتى الجنب بالقرآن على قصد غيره لا يعصي فإن لم يقصد لا القراءة ولا غيرها قال
الشيخ أبو محمد : لا يعصي ؛ لأن قصده معتبر في هذا الجنس ، وقال في باب شروط الصلاة : إذا استأذن جمع وهو في الصلاة ، فقال : ادخلوها بسلام ، أو قال : خذها بقوة أو غير ذلك من خطاب الآدميين ، فإن قصد التفهيم دون القراءة بطلت صلاته ، وإن قصد القراءة دون التفهيم لم تبطل ، وإن قصدهما جميعا ، قال أصحابنا : لا تبطل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل .
وقال
المتولي في التتمة الخامسة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=1587_22741نابه أمر في الصلاة ، فتلا آية من القرآن يحصل بها تنبيه الغير على بعض الأمور ، مثل إن دق الباب فقرأ قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادخلوها بسلام آمنين ) ، أو رأى إنسانا اسمه موسى ، يمشي بالنعل على بساطه ، فقرأ قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12فاخلع نعليك ) ، فإن قصد به التنبيه تبطل الصلاة ؛ لأن هذا خطاب وافق نظم القرآن ، وإن قصد القراءة لا تبطل صلاته ، وإن تضمن ذلك تنبيها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل ، ودليلنا ما روي أن
عليا - رضي الله عنه - كان يصلي في مسجد
الكوفة ، فدخل عليه رجل من
الخوارج ، فعرض به ، وقال : لا حكم إلا لله ورسوله ،
[ ص: 307 ] وقصد الإنكار حيث رضي التحكيم ، فتلا
علي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) ، فلما سلم قال : كلمة حق أريد بها باطل ، ولو كان ذلك يبطل الصلاة لما أقدم عليه
علي - رضي الله عنه - ونقول الأصحاب في ذلك لا تحصى ، وفيما أوردناه كفاية .
وقال
النووي في التبيان : فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=18637قراءة القرآن يراد بها الكلام ، ذكر
ابن أبي داود في هذا اختلافا ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يتناول القرآن لشيء يعرض من أمر الدنيا ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب
بمكة :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وطور سينين ثم رفع صوته :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وهذا البلد الأمين .
وعن
حكيم - بضم الحاء - بن سعد أن رجلا من المحكمة أتى
عليا - رضي الله عنه - وهو في صلاة الصبح ، فقال : لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، فأجابه علي وهو في الصلاة (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) ، قال أصحابنا : إذا استأذن إنسان على المصلي ، فقال المصلي : ادخلوها بسلام آمنين فإن أراد التلاوة ، أو التلاوة والإعلام لم تبطل صلاته ، وإن أراد الإعلام ، أو لم تحضره نية بطلت صلاته ، انتهى كلام
النووي في التبيان .
فانظر كيف أخذ حكم المسألة مما ذكره الأصحاب في المصلي ، والأثر المذكور عن علي أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه ، وترجم عليه " باب ما يجوز من قراءة القرآن في الصلاة يريد به جوابا أو تنبيها " .
[ ص: 305 ] 32 - رَفْعُ الْبَاسِ وَكَشْفُ الِالْتِبَاسِ فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالِاقْتِبَاسِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَسْأَلَةٌ : اسْتِعْمَالُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُخَاطِبَاتِ وَالْمُجَاوَبَاتِ وَالْإِنْشَاءَاتِ ، وَالْخُطَبِ ، وَالرَّسَائِلِ ، وَالْمَقَامَاتِ مُرَادًا بِهَا غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَتْ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، يُسَمَّى عِنْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ ضَرْبَ مَثَلٍ وَتَمَثُّلًا وَاسْتِشْهَادًا إِذَا كَانَ فِي النَّثْرِ ، وَقَدْ يُسَمَّى اقْتِبَاسًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوْرِدِ ، فَإِذَا كَانَ فِي الشِّعْرِ سُمِّيَ اقْتِبَاسًا لَا غَيْرَ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الَّذِي فِي النَّثْرِ ، سَوَاءٌ كَانَ تَمَثُّلًا أَوِ اقْتِبَاسًا فَجَائِزٌ فِي مَذْهَبِنَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا - نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا - وَاسْتَعْمَلُوهُ فِي خُطَبِهِمْ وَإِنْشَائِهِمْ وَرَسَائِلِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ .
أَمَّا النُّصُوصُ فَقَالُوا فِي بَابِ الْغُسْلِ : إِنَّهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=27215_731لِلْجُنُبِ أَنْ يُورِدَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ ، وَقَالُوا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23393الْمُصَلِّيَ لَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ ، بَلْ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّفْهِيمَ مَعًا لَمْ تَبْطُلْ ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا .
قَالَ
النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْغُسْلِ مَا نَصُّهُ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=18637قَالَ لِإِنْسَانٍ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) وَلَمْ يَقْصِدِ الْقُرْآنَ جَازَ ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ ، وَقَالَ
الرافعي فِي الشَّرْحِ : وَأَمَّا إِذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ ، وَفِي الرَّوْضَةِ مِثْلُهُ ، وَقَالَ
الأسنوي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَيَحِلُّ إِذَا كَانَ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ ، هَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِأَذْكَارِ الْقُرْآنِ ، بَلْ يَأْتِي أَيْضًا فِي مَوَاعِظِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَخْبَارِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ
الرافعي ، فَإِنَّهُ عَبَّرَ بُقُولِهِ : أَمَّا إِذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ ، فَيَجُوزُ هَذِهِ عِبَارَتُهُ ، وَذَكَرَ مِثْلَهَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَصَرَّحَ
القاضي أبو الطيب فِي تَعْلِيقِهِ بِالْأَوَامِرِ انْتَهَى .
وَقَالَ
الرافعي فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22741أَتَى الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ قَاصِدًا بِهِ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَضُرَّ ، وَإِنْ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ شَيْئًا آخَرَ كَتَنْبِيهِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْفَتْحِ عَلَى مَنِ ارْتَجَّ عَلَيْهِ ، وَتَفْهِيمِ الْأَمْرِ مِنَ الْأُمُورِ مِثْلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22741يَقُولَ لِجَمَاعَةٍ يَسْتَأْذِنُونَ فِي الدُّخُولِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ) ، أَوْ يَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهِيًا فِي قِرَاءَتِهِ إِلَى تِلْكَ الْآيَةِ ، أَوْ يُنْشِئُ قِرَاءَتَهَا حِينَئِذٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : إِذَا قَصَدَ شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ تَنْبِيهَ الْإِمَامِ ، وَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إِلَّا الْإِفْهَامَ ، وَالْإِعْلَامَ فَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ، كَمَا لَوْ أَفْهَمَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى انْتَهَى .
[ ص: 306 ] وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ
النووي مِثْلَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَالْمِنْهَاجِ ، وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِنَقْلِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ الْآنَ فِي الْفُتْيَا عَلَى كَلَامِهِمَا ، وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ : وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةً ، أَوْ بَعْضًا مِنْ آيَةٍ ، فَأَفْهَمَ بِهَا كَلَامًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : خُذْهَا بِقُوَّةٍ ، أَوْ يَقُولَ : وَقَدْ حَضَرَ جَمْعٌ فَاسْتَأْذَنُوا ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ فَإِنْ لَمْ تَخْطُرْ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ، وَلَكِنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ إِلَى الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ إِفْهَامُ أَحَدٍ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلُوا لَمْ يُرِدْ دُخُولَهُمْ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ .
وَإِنْ قَصَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَصَدَ إِفْهَامَهُمْ فَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَئِمَّةُ : أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَذَا ، وَقَالَ فِي بَابِ الْغُسْلِ : لَوْ قَالَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ ، وَقَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ لَمْ يَعْصِ ، وَإِنْ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً وَلَا غَيْرَهَا فَقَدْ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ : لَا يَعْصِي وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ انْتَهَى .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ : لَوْ قَالَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَا بِقَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ تُوَافِقُ نَظْمَ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ : وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُوَافِقٍ نَظْمُهُ نَظْمَ الْقُرْآنِ ، مِثْلَ أَنْ دَقَّ رَجُلٌ الْبَابَ ، قَالَ : ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ، أَوْ أَرَادَ دَفْعَ كِتَابٍ ، فَقَالَ : يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ قَصَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَإِعْلَامَهُ لَا تَبْطُلُ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ تَبْطُلُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ : إِذَا أَتَى الْجُنُبُ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَصْدِ غَيْرِهِ لَا يَعْصِي فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَا الْقِرَاءَةَ وَلَا غَيْرَهَا قَالَ
الشيخ أبو محمد : لَا يَعْصِي ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ مُعْتَبَرٌ فِي هَذَا الْجِنْسِ ، وَقَالَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ : إِذَا اسْتَأْذَنَ جَمْعٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ، أَوْ قَالَ : خُذْهَا بِقُوَّةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ خِطَابِ الْآدَمِيِّينَ ، فَإِنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ دُونَ الْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ دُونَ التَّفْهِيمِ لَمْ تَبْطُلْ ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا جَمِيعًا ، قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا تَبْطُلُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : تَبْطُلُ .
وَقَالَ
المتولي فِي التَّتِمَّةِ الْخَامِسَةِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=1587_22741نَابَهُ أَمْرٌ فِي الصَّلَاةِ ، فَتَلَا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ يَحْصُلُ بِهَا تَنْبِيهُ الْغَيْرِ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ ، مِثْلَ إِنْ دَقَّ الْبَابُ فَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ) ، أَوْ رَأَى إِنْسَانًا اسْمُهُ مُوسَى ، يَمْشِي بِالنَّعْلِ عَلَى بِسَاطِهِ ، فَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا خِطَابٌ وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : تَبْطُلُ ، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ
عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ
الْكُوفَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ
الْخَوَارِجِ ، فَعَرَّضَ بِهِ ، وَقَالَ : لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ،
[ ص: 307 ] وَقَصَدَ الْإِنْكَارَ حَيْثُ رَضِيَ التَّحْكِيمَ ، فَتَلَا
علي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنُقُولُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى ، وَفِيمَا أَوْرَدْنَاهُ كِفَايَةٌ .
وَقَالَ
النووي فِي التِّبْيَانِ : فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18637قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ ، ذَكَرَ
ابن أبي داود فِي هَذَا اخْتِلَافًا ، فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْقُرْآنَ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
بِمَكَّةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وَطُورِ سِينِينَ ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ .
وَعَنْ
حكيم - بضم الحاء - بن سعد أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمَحْكَمَةِ أَتَى
عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ، فَقَالَ : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) ، قَالَ أَصْحَابُنَا : إِذَا اسْتَأْذَنَ إِنْسَانٌ عَلَى الْمُصَلِّي ، فَقَالَ الْمُصَلِّي : ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ فَإِنْ أَرَادَ التِّلَاوَةَ ، أَوِ التِّلَاوَةَ وَالْإِعْلَامَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِعْلَامَ ، أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، انْتَهَى كَلَامُ
النووي فِي التِّبْيَانِ .
فَانْظُرْ كَيْفَ أُخِذَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُصَلِّي ، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ " بَابَ مَا يَجُوزُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ جَوَابًا أَوْ تَنْبِيهًا " .