الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الأخ تجاه أخته الواقعة في بعض المنكرات

السؤال

هل لي أن أتدخل في الأمور التي تقوم بها أختي مثل: الخروج إلى مكان ما ومحاولة منعها من شيء ما مثل: مشاهدة الأفلام المدبلجة, أو العمل أو سياقة السيارة, مع أن لها أبا و أما.
وهي تقوم بمشاهدة بعض الحلقات لأفلام مدبلجة في كمبيوتري و نحن نعلم أن هذه الأفلام فيها بعض النساء شبه العاريات مع رجال.
فهل هنا أستطيع منعها من تشغيل كمبيوتري مع معارضة الأولياء لقراري و السماح لها بتشغيله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة في الإسلام، بل هي القطب الأعظم في الدين، وهي الشعيرة المميزة للأمة المسلمة، كما قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110} وهي أيضا الشعيرة الفارقة بين المؤمنين والمنافقين، قال الله تعالى: المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ {التوبة:67}

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

فينبغي على المسلم ألا يقصر في هذا الواجب العظيم بحسب طاقته وقدرته، وبضوابطه الشرعية التي بينها العلماء رحمهم الله، والتي من أهمها: ألا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أشد منه، وأن يكون المنكِر لديه القدرة على التغيير, وألا يعرِّض نفسه بسبب الإنكار إلى بلاء عظيم لا يطيقه، وأن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به.

وأما ما ذكرته أخي السائل من خروج أختك إلى أماكن معينة ومشاهدتها لأفلام خليعة، فيها من العري والمعاصي لله سبحانه ما فيها.

فاعلم أخي أن الأصل هو قرار المرأة في بيتها، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى {الأحزاب:33}.

قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال, فذلك تبرج الجاهلية،.

وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في استفتاء ورد إليه عن حكم عمل المرأة: فأمر سبحانه النساء في الآية بلزوم البيوت، لأن خروجهن غالبا من أسباب الفتنة، وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز الخروج للحاجة مع الحجاب والبعد عن أسباب الزينة، ولكن لزومهن للبيوت هو الأصل وهو خير لهن وأصلح وأبعد عن الفتنة.

ثم قال رحمه الله: وأما عمل المرأة مع زوجها في الحقل والمصنع والبيت فلا حرج في ذلك وهكذا مع محارمها إذا لم يكن معهم أجنبي منها، وهكذا مع النساء، وإنما المحرم عملها مع الرجال غير محارمها، لأن ذلك يفضي إلى فساد كبير وفتنة عظيمة. انتهى.

وأنت خبير بأن خروج المرأة إلى الشوارع متبرجة ومزاحمتها للرجال, قد فتح على الأمة أبواب البلاء والشر.

وأما مشاهدة الأفلام الخليعة التي بها مشاهد الاختلاط والعري، فهذا من المحرمات التي تذهب بدين الشخص ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهي طريق الوصول إلى الفاحشة، وسبب من أسباب دمار الأسر وخراب المجتمعات، ووسيلة من وسائل انتشار الفساد الخلقي وتفشي الموبقات، من زنا ولواط وسحاق وغير ذلك.

وعلى ذلك فينبغي على راعي الأسرة وهو الوالد أن يقوم بواجبه الشرعي تجاه الأمانة التي حمله الله إياها، وهي حفظ أولاده من كيد الشيطان ومهاوي العصيان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: كلكم راع و كلم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته و الرجل راع في أهله و هو مسؤول عن رعيته.

فيجب على الأب أن يحول بين أختك وبين مشاهدتها لهذه المنكرات، وإن لم يفعل فهو آثم ولا شك، بل هو مضيع للأمانة، وأما أنت أيها السائل فواجبك تجاه أختك هو النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب رفيق بعيد عن الغلظة والعنف والشدة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه و لا نزع من شيء إلا شانه. صححه الألباني.

فما عليك إلا البلاغ والنصح لأنك لست القائم على أمرها خصوصا في حياة والدك، ولكن لا يجوز لك أن تسمح لها بمشاهدة هذه المنكرات على جهازك وإلا كنت معينا لها على ذلك والله تعالى يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ {المائدة:2}، ولا طاعة في ذلك لوالديك ولا لغيرهما إذ لا طاعة في معصية.

وننصحك أيضا- وفقك الله – أن تقوم بواجبك تجاه أبيك وأمك، وذلك بالنصح لهما وإرشادهما إلى تعلم أمور الدين، وتوجيههما إلى الاعتناء بأمر أختك وإقامتها على شرع الله في سلوكها وملبسها وسائر أمورها, واحرص كل الحرص على أن يكون أسلوبك معهما في غاية الرفق واللين والرحمة، واحذر تعنيفهما أو تسفيههما فحق الوالدين عظيم ولهما من الاحترام والتوقير ما ليس لغيرهما، وللفائدة راجع الفتوى 22063 والفتوى 17092وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني