الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما حكم أكل الفسيخ المصري؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى طهارة الصغير من الفسيخ، لأنه معفو عما في بطنه لعسر تنقيته مما فيه.
وأما الكبير، فقد اختلفوا فيه على قولين:
1/ الأول: أنه طاهر، وبه قال الحنفية، والحنابلة، وبعض المالكية، وجماعة من المعاصرين.
2/ القول الثاني: أنه نجس، وبه قال جمهور المالكية والشافعية خلافاً للسيوطي.
وسبب الخلاف يرجع إلى أن الفسيخ - غالباً - لا يستخرج ما في بطنه، إضافة إلى ما يخرج منه بعد تمليحه هل هو دم أم لا؟ وإذا كان دماً فهل هو طاهر أم نجس؟
والقائلون بطهارته قالوا: بأن السمك طاهر، وكذا ميتته، وكذا ما في جوفه، وما يسيل منه، والأصل فيه الطهارة.
قال الإمام ابن مفلح من الحنابلة: ودم السمك طاهر - في الأصح - ويؤكل.
وقال البهوتي: ودم السمك طاهر مأكول كميتته.
كما اعتبر الأحناف أن الخارج من السمك ليس بدم، لأنه لا دم له عندهم.
وقال الدردير من المالكية: الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر، لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت، والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه، وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية، فالرطوبات الخارجة من بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك.
وقال الشيخ السيد سابق: كثيراً ما يخلط السمك بالملح ليبقى مدة طويلة بعيداً عن الفساد، ويتخذ من أصنافه المختلفة: السردين، والفسيخ، والرنجة، والملوحة، وكل هذه طاهرة، ويحل أكلها ما لم يكن فيه ضرر، فإنه يحرم لضرره بالصحة حينئذ... إلخ. فقه السنة (3/248).
وأما القائلون بنجاسته، فقد قالوا ذلك لنجاسة ما في جوفه عندهم، ولسيلان الدم من بعضه إلى بعض.
وسئل الإمام محمد بن عليش - وهو مالكي -: ما قولكم في حكم أكل الفسيخ المعروف بمصر؟ فأجاب بما نصه... حكمه الحرمة لنجاسته بشربه من الدم المسفوح الذي يسيل منه حال وضع بعضه على بعض.
قال في المجموع: ودم مسفوح، وإن من سمك، فما شربه من الملح بعد انفصاله نجس، والله أعلم. فتح العلي المالك (1/193).
وفي حاشية البجيرمي على المنهج في فقه الشافعية ما نصه: قال في الجواهر: كل سمك مملح ولم ينزع ما في جوفه فهو نجس. ا.هـ.
وبه يعلم حرمة الفسيخ المعروف، خلافاً لما اشتهر على الألسنة (4/304).
وبناءً على ما تقدم، فالذي نراه طهارة الفسيخ، وإباحة أكله بقاء على الأصل، ما لم يثبت الأطباء الثقات ضرره بالصحة، فإن ثبت ضرره، فلا يجوز أكله، وإن كان الأولى تجنب أكله نظراً لتغير رائحته، وخروجاً من الخلاف.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني