الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على كون الذبيح هو إسماعيل؛ لا إسحاق

السؤال

ما هي الدلائل أن الذبيح هو إسماعيل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الراجح أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وهو مذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وأبي عمرو بن العلاء وهو رواية عن ابن عباس كما نقله البغوي عنهم، وقد بسط المحققون أدلة ذلك، فقد قال شيخ الإسلام في المنهاج: والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير إسماعيل كما دلت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك فإنه قد كان سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشره بالغلام الحليم إسماعيل فلما بلغ معه السعي أمره أن يذبحه لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة الخالق.. وكذلك في التوراة يقول: اذبح ابنك. وحيدك وفي ترجمة أخرى: بكرك. ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق وهو باطل فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتفاق المسلمين وأهل الكتاب فليس هو وحيده ولا بكره وإنما وحيده وبكره إسماعيل.

ولهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ. وقال الآية الأخرى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ. فكيف يبشره بولد ثم يأمره بذبحه، والبشارة بإسحاق وقعت لسارة وكانت قد غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل، وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة ثم لما جاء الضيف وهم الملائكة لإبراهيم بشروها بإسحاق، فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء إسماعيل، وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده بل غارت أن يكون له ابن من غيرها، فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها! وكيف يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه وأمه مبشرة به وبابن ابنه يعقوب! وأيضاً فالذبح إنما كان بمكة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قرني الكبش في البيت فقال للحاجب: إني رأيت قرني الكبش في الكعبة فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي. وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن وإسحاق كان في الشام. والمقصود بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى وهذا إذا كان له ابن واحد فإذا صار له ابنان فالمقصود لا يحصل إلا بذبحهما جميعاً، وكل من قال إنه إسحاق فإنما أخذه عن اليهود أهل التحريف والتبديل كما أخبر الله تعالى عنهم وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد. انتهى.

وقال الشيخ الشنقيطي في الأضواء: اعلم، وفقني الله وإياك أن القرآن العظيم قد دل في موضعين، على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق أحدهما في (الصافات) والثاني في (هود)، أما دلالة آيات الصافات على ذلك فهي واضحة جداً في سياق الآيات، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال عن نبيه إبراهيم: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ* رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ* كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

ثم قال بعد ذلك عاطفاً على البشارة الأولى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ. فدل ذلك على أن البشارة الأولى شيء غير المبشر به في الثانية، لأنه لا يجوز حمل كتاب الله على أن معناه: فبشرناه بإسحاق، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضاً: وبشرناه بإسحاق، فهو تكرار لا فائدة فيه ينزه عنه كلام الله، وهو واضح في أن الغلام المبشر به أولاً الذي فدي بالذبح العظيم هو إسماعيل، وأن البشارة بإسحاق نص الله عليها مستقلة بعد ذلك.

وقد أوضحنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. أن المقرر في الأصول: أن النص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا احتمل التأسيس والتأكيد معاً وجب حمله على التأسيس ولا يجوز حمله على التأكيد إلا لدليل يجب الرجوع إليه، ومعلوم في اللغة العربية أن العطف يقتضي المغايرة، فآية الصافات هذه دليل واضح للمنصف على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق، ويستأنس لهذا بأن المواضع التي ذكر فيها إسحاق يقينا عبر عنه في كلها بالعلم لا الحلم، وهذا الغلام الذبيح وصفه بالحلم لا العلم.

وأما الموضع الثاني الدال على ذلك الذي ذكرنا أنه في سورة هود، فهو قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ. لأن رسل الله من الملائكة بشرتها بإسحاق، وأن إسحاق يلد يعقوب، فكيف يعقل أن يؤمر إبراهيم بذبحه وهو صغير وهو عنده علم يقين بأنه يعيش حتى يلد يعقوب. فهذه الآية أيضاً دليل واضح على ما ذكرنا، فلا ينبغي للمنصف الخلاف في ذلك بعد دلالة هذه الأدلة القرآنية على ذلك، والعلم عند الله تعالى. انتهى...

وراجع للمزيد من البسط والأدلة وبيان تفنيد القول الآخر زاد المعاد وتفسير ابن كثير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني