الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستصناع ...تعريفه وشروطه وأحكامه

السؤال

أرجوالإفادة بماهية عقد الاستصناع وشروطه وأحكامه ونسخة منه إن أمكن.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الاستصناع في اصطلاح الفقهاء: أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق مواصفات محددة ، بمواد من عند الصانع ، مقابل عوض مالي.
وهو شبيه بالإجارة ، وبالسَّلَم ، والبيع بالمعنى الخاص ، أما شبهه بالإجارة فلأن العمل فيه جزء من المعقود عليه ، وأما شبهه بالبيع من حيث أن الصانع يقدم المواد من عنده مقابل عوض ، لكن تعريف الفقهاء المتقدم له يخرجه عن كونه واحداً من الثلاثة ، ويوضح أنه عقد مغاير لهذه العقود ، وهو من المعاملات الجائزة عند العلماء في الجملة ، وإن كانوا اختلفوا في النوع الجائز منه ، فالأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد جعلوه سلما ، واشترطوا لصحته شروط السلم. التي من أهمها تقديم رأس المال في مجلس العقد.
أما الحنفية فقد أجمعوا -أو أكثرهم- على جوازه طبقاً للتعريف المتقدم ، وجعلوه عقداً مغايراً للسلم فلا تجب فيه مراعاة شروطه ، لكن منهم من قال: إنه مواعدة غير ملزمة لأحد الطرفين ، وليست بيعاً إلا عند الفراغ من العمل وتسليم المصنوع إلى المستصنع وقبض الثمن ، فإنه يلزم حينئذ. وهذا قول مرجوح عندهم ، والذي عليه أكثرهم أنه عقد ، وليس مجرد وعد.
والذي نرى - والله أعلم-أن الصحيح في تكييف عقد الاستصناع أنه عقد مستقل ، ليس بيعاً ، ولا إجارة ، ولا سلماً -كما قدمنا- وهذا هو رأي مجمع الفقه الإسلامي ، وذلك لمغايرته لكل الثلاثة. وقد استدل من أجازه بقوله تعالى: (قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداًّ * قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً) [الكهف:94،95] قال ابن عباس: خرجاً: أجراً عظيماً.
هذا مع ما فيه من الرفق والتيسير على الصانع والمستصنع معاً ، ولا شك أن جلب ما ييسر على الناس مقصد من مقاصد الشرع التي بني عليها ، فتنبغي مراعاته حيث لم يرد نص يقضي بعدم ذلك ، وإنما كان فيه تيسير عليهما لأن الصانع يكون قد باع مصنوعه مسبقاً وتحقق الربح فيه ، فهو يعمل على هدى وبصيرة ، ولولا عقد الاستصناع لاحتاج إلى البحث بعد صناعة الشيء عن فرصة لتسويقه ، فقد يبيعه فوراً ، وقد يتأخر بيعه ، بل قد يكسر عنده فيتحمل نفقاته وصيانته وغير ذلك مما يمكن تجنبه وتفاديه بعقد الاستصناع.
وهناك أيضاً سلع يتعذر صنعها قبل وجود مشتر لها كبناء منزل بمواصفات معينة ، وفي مكان معين ونحو ذلك.
وأما المستصنع فلأنه يستطيع أن يضع الشروط ويحدد المواصفات المرغوبة عنده ، والملائمة لذوقه وغير ذلك مما لا يحصل غالباً إلا في هذا النوع من العقود. أما شروط صحته فإليك أيها السائل أهمها.
1-تحديد مواصفات الشيء المطلوب تحديداً يمنع التنازع والخصام عند التسليم.
2-عدم ذكر الأجل عند العقد ، فإن ذكر أجل انقلب إلى عقد سلم تراعى فيه شروط السلم وأحكامه ، وهذا عند الإمام أبي حنيفة.
لكن الذي قرره مجمع الفقه الإسلامي ويتماشى مع المعاملات المعاصرة هو أنه يجوز ذكر الأجل ، بل يجب حسماً للنزاع ، على أن الأجل الذي يجوز ضربه هو ما يحتاج إليه لإتمام العمل وليس أكثر من ذلك ، ولا يشترط في صحة هذا العقد تعجيل الثمن بل يجوز تأخيره كله أو بعضه. لأنه ليس سلما ، كما لا يشترط أن يكون ما يأتي به العامل من صنعه هو إلا إذا اشترط المستصنع ذلك.
وأخيراً ، إذا اكتملت شروط صحة عقد الاستصناع وانتفت عنه الموانع فإن الصحيح أنه يلزم كلا من الطرفين ، فلا يحق لأحدهما فسخه إلا برضى الطرف الآخر ، هذا هو الذي تقتضيه المصلحة ، وتنتفي معه المضرة ، وهو الذي أخذ به مجمع الفقه الإسلامي ، وهو قول عند بعض الأحناف. ومن أراد المزيد من الاطلاع على أحكام الاستصناع فليراجع: "بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة" تأليف: الدكتور محمد عثمان ، والدكتورعمر سليمان الأشقر ، ففيه الفائدة. وقد اعتمدنا عليه في هذه الفتوى.
والله الموفق للصواب.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني