الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صور رائعة من عدل عمر بن الخطاب

السؤال

لي صديق إيطالي مهتم بالحضارة العربية والإسلامية هو أستاذ ويدرس بجامعة زيوريخ، يبحث عن قصة من قصص ماضي العرب أو الإسلام حينما كانوا في قمة الحضارة والديمقراطية والعدل، يريد أن ينشرها بالجامعة ليقدمها كمثل لمستقبل العالم الذي جرب الشيوعية وزالت والرأسمالية التي هي في زوال حسب رأيه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكرك على الاتصال بنا وننصحك بمراجعة كتب التاريخ الموثوق بها ككتاب البداية والنهاية لابن كثير، وسير أعلام النبلاء للذهبي، وسيرة الخلفاء الراشدين له، وموسوعة الدكتور الصلابى فستجد فيها بغيتك، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

ففي كنز العمال عن أنس: أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقدم، فقال عمر: أين المصري، خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب فو الله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر: لعمرو مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني. انتهى.

وفي تاريخ الطبري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا نار تؤرث، فقال: يا أسلم، إني أرى هؤلاء ركباً قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة إلى النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء وكره أن يقول: يا أصحاب النار، قالت: وعليك السلام، قال: أأدنوا؟ قالت: ادن بخير أو دع، فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: وأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! قال: أي رحمك الله، ما يدري عمر بكم! قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنا! فأقبل علي، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول، حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً فيه كبة شحم، فقال: أحمله علي، فقلت: أنا أحمله عنك، قال: احمله علي، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك أقول: أنا أحمله عنك، فقال لي في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة، لا أم لك! فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه نهرول، حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول لها: ذري علي، وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها، وقال: ابغني شيئاً، فأتيته بصفيحة فأفرغها فيها، ثم جعل يقول: أطعميهم، وأنا أسطح لك، فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلى عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً! أنت أولى بهذا من أمير المؤمنين! فيقول: قولي خيراً، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها، ثم استقبلها وربض مربض السبع، فجعلت أقول له: إن لك شأنا غير هذا، وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدؤوا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل علي فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم. انتهى.

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: أن أبا هريرة كان يقول يرحم الله ابن حنتمة يعني عمر لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في يده وإنه ليعتقب هو وأسلم فلما رآني قال: من أين يا أبا هريرة، قلت: قريباً قال فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب فقال عمر: ما أقدمكم قالوا الجهد، قال: فأخرجوا لنا جلد الميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورمة العظام مسحوقة كانوا يسفونها فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة ثم كساهم وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك. انتهى.

وفي الطبقات أيضاً عن عيسى بن معمر قال: نظر عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى بطيخة في يد بعض ولده فقال بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلى فخرج الصبي هارباً وبكى. انتهى.

وروى ابن الجوزي في صفة الصفوة عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك؟ ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: ويحك ما لي أرى ابنك لا يقر منذ ليلة؟ قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً، قال: ويحك لا تعجليه فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر منادياً فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان عمر يصوم الدهر وكان زمان الرمادة، إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد في الزيت إلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتى به فإذا قدر من سنام ومن كبد فقال: أنى هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، قال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلت أطيبها وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الجفنة هات لنا غير هذا الطعام، فأتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال: ويحك يا يرفأ ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام وأحسبهم مقفرين فضعها بين أيديهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني