الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صفة طالب العلم المستحق للزكاة

السؤال

أرجو من السيد الكريم الذي سيجيبني رجاءً حاراً أن يجيبني بنفس ترتيب توارد الأفكار لأن المسألة واحدة ولكن فيها عدة إشكالات ونقاط والله يعطيه العافية مسبقا، أود أن أسأل عن قريب لي دخل فرعا في الجامعة وأراد تغييره فطلب من أحد أقاربه من أموال الزكاة لتغيير الفرع، فهل يجوز ذلك مع العلم بأن للفرع الثاني فرصا أكبر للعمل كما يبدو من النظرة الأولى ولكن هناك أناس من خارج صلة القرابة بحاجة أكبر لأموال الزكاة في أمور أشد ضرورة كالإنفاق مثلا على أسر فقيرة أو يتيمة فهل تقدم صلة القرابة أم تقدم حاجة الأسر من خارج القرابة يعني هل يجوز أن يأخذ لتحسين فرصه في الحياة من قريبه (الذي دفع على مبدأ لا تجوز صدقة وذو رحم محتاج) أم أن الأموال من الأولى لها الذهاب للإنفاق على أسر أشد حاجة ولكنها من خارج تلك القرابة وهل ذلك حلال أم حرام وإذا أخذها وانتهى الأمر وكانت حراما فكيف يصلح الخطأ هذا إن كانت الأموال حراماً وتقدم الحاجة الأشد على صلة القرابة كيف يصلح الخطأ؟ ثانياً: مع العلم بأنه أخفى على قريبه أمراً وهو أن الجامعة تعفيه من أقساط السنة القادمة إذا تفوق على الدفعة فإذا تهاون في الدراسة هذه السنة فهل يكون القسط المقدم حراما عليه مع العلم بأن قياس تأثير تهاونه في الدراسة صعب وهل إن كان قد درس سيكون متفوقا أم لا.. لا أحد يعرف فربما يكون من هو متفوق أكثر منه رغم دراسته.ثالثاً: هناك سؤال مكمل وهو أن هذا الشخص الذي أخذ من أموال الزكاة من أحد أقاربه له مصروف من والده وهو ينفقه في الحلال ولكن في أشياء غير ضرورية كثيراً ويمكن له بها المشاركة في مصاريف الجامعة ولكنه يحتج بالقول إنها مصروفه الشخصي من والده وله الحرية والحق في صرفها كيف يشاء فما حكم ذلك، هل صرف هذه الأموال مع إمكان استغلالها في أقساط الجامعة (التي تدفع من الزكاة) حرام أم حلال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يظهر لنا أن هذا الطالب الجامعي لا يجوز له الأخذ من مال الزكاة لأمرين:

أولها: أن طالب العلم الذي جوز العلماء إعطاءه من مال الزكاة إذا احتاج إنما هو طالب العلم الشرعي، وأما العلوم الدنيوية فليست من هذا الباب ولا يستحق طلبتها الزكاة إلا إذا كانوا فقراء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 110446.

ثانيها: أن هذا الطالب مستغن بما ينفقه عليه والده، ودعوى أن ما يعطيه له أبوه هو مصروفه الشخصي دعوى باطلة، فإن نفقته واجبة على أبيه فإنه وإن كان طالباً جامعياً، وتعليمه من هذا الباب فإن مناط وجوب النفقة هو عدم القدرة على الكسب، فإن كان هذا الطالب يستطيع التكسب فالتكسب واجب عليه ومن ثم يكون مستغنياً بما ينفقه على نفسه.

وعلى كل؛ فلا يجوز دفع الزكاة إليه لأنه غني إما بقدرته على الكسب وإما بما ينفقه عليه أبوه، فلا يجوز له أن ينفق المال على ملذاته وشهواته ثم يتكفف الناس بعد ذلك ويأخذ ما هو حق للفقراء والمساكين.. ثم إن أباه قد ملكه من المال ما يصير به غنياً فقد صار غنياً بما دخل في ملكه من جهة أبيه، إذا علمت هذا فالواجب على هذا الطالب أن يعيد المال الذي أخذه من مال الزكاة لأصحابه، لأنه ليس مستحقاً له، والواجب عليهم إذا لم يفعل أن يعيدوا إخراج الزكاة، لأن ذمتهم لم تبرأ منها.

وإذا وجد تعارض بين مستحق من الأقارب ومستحق من غيرهم، فالقريب أولى لما رواه الترمذي وغيره بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة. هذا إذا تساويا في قدر الحاجة، وأما إذا كان غير القريب أشد حاجة فدفع حاجته أولى، لأن مقصود الزكاة والصدقة هو سد خلة الفقراء والمعوزين.. وأما إذا لم يكن القريب مستحقاً للزكاة -كما هو الحال في هذه المسألة- فلا يجوز إعطاؤه منها بزعم أنه قريب وإنما يعان بالصدقة والهبة ونحوها، وأما ما ذكرته من مبدأ (لا تجوز صدقة وذو رحم محتاج) فهذا الكلام لا أصل له ولم يثبت به حديث صحيح، وقد يكون له معنى صحيح مأخوذ مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وابدأ بمن تعول.. ولكن ينبغي النظر في هذه الحاجة وقدرها فلا يحمل هذا الكلام على إطلاقه.

وأما ما ذكرته مما يتفرع على السؤال من أنه إذا تفوق سقطت عنه الأقساط ونحو ذلك فلا حاجة إليه لأنه قد تبين أنه غير مستحق للزكاة أصلاً.

والخلاصة: أن أخذ هذا الطالب من مال الزكاة لا يجوز، وأن الواجب عليه أن يردها إلى أصحابها ليصرفوها في مصارفها الشرعية، أو يستحلهم ويأمرهم بإخراجها مما بأيديهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني