الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صريح القرآن يغني عن قول كل أحد كائنا من كان

السؤال

بم كلف الله العبد؟ بالعقل أم بالتصديق بالنقل فقط ؟ وهل من العقل ما في الفتوى رقم 2073 قول ابن جرير أم قول الإمام الصادق ؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكر السائل الكريم على حرصه على الخير، وننبهه إلى أن آيات القرآن المحكمة صريحة بما لا يقبل مجالا للشك أو التأويل بأن الله تعالى خلق البشرية كلها من نفس واحدة: هي آدم عليه السلام وخلق من هذه النفس زوجها وهي حواء عليها السلام، قال الله تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا {الزمر:6}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}.

ولا شك أن ذريتهما أيضا كانت منهما معا ـ آدم وحواء ـ دون غيرهما من الحور أوالجن، فالقرآن الكريم صريح في ذلك قال الله تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زوجها. ثم قال بعدها مباشرة: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءْْ{1}. فالرجال والنساء كلهم من آدم وحواء، ويؤكد هذا أيضا بامتنانه – سبحانه وتعالى- عليهم في هذه الحياة بقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}. أي من جنسكم وليس من غيركم من الحور.

ولهذا فإن على المسلم إذا سمع هذه النصوص أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولا داعي لكلام ابن جرير ولا لكلام الصادق رضي الله عنهما، وإنما ذكرنا كلام ابن جرير من باب التفسير فقط.

وأما كون آدم كان يزوج أولاده من بناته التي لم يولدن معهم من بطن واحد، فهذه كانت شريعته قبل انتشار ذريته، وقد اقتضتها الضرورة في ذلك الوقت، وشرائع الأنبياء مختلفة باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، فقد قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}.

وقد كان لبعض الأنبياء عشرات الزوجات وربما مئاتهن وكان ذلك حلالا في شريعتهم ولكنه نسخ في شريعتنا.

ومن المعلوم أن الشرائع جاءت لتنظيم أمور العباد وحل مشاكلهم وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، فلما استغنى الناس عن هذا الحكم نسخه الله تعالى، ولهذا لا تنكر مشروعية هذا النوع من الزواج في تلك الفترة، ولا داعي لتكلف أدلة وشبهات أقل ما يقال عنها إنها لا تقاوم محكمات نصوص الوحي.

ثم إننا ننبه إلى أن ما نقل عن جعفر الصادق- رضي الله عنه- غير ثابت عنه لأنه نقل بسند واه لا تقوم به حجة كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، ولو ثبتت فإنها لا تقاوم نصوص الوحي الصريحة والتي قدمنا بعضا منها.

كما أشرنا، فكل أحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم.

كما ننبه إلى أن نصوص الوحي إنما جاءت لخطاب العقل، فالعقل هو مناط التكليف كما قال العلماء، ولن يتعارض نص قطعي الثبوت مع العقل، لأن كلاهما من عند الله وقد قال: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا { النساء:82}.

وعلى المسلم إذا ثبت الدليل أن يقول : سمعنا وأطعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني