الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حد الشقاق بين الزوجين وهل يكون سببا لفسخ النكاح

السؤال

أما بعد: فبالنسبة إلى مراسلتنا هذه، فإننا في جنوب أفريقيا لا يصلح لنا قانون الأحوال الشخصية الذي وضع من جانب الحكومة الكافرة ـ وكما تعرفون ـ أننا أقل من مليون مسلم من بين أربعين مليون كافراً نحتاج من فضيلتكم إلى الأجوبة مع الأدلة والإحالات من كتب ساداتنا المالكية للمسائل التي تهمنا في هذا المجال، ولا يخفى على سماحتكم ما لهذا الأمر من أهمية وأثر على المسلمين، فأفيضوا علينا متع الله المقتبسين بطول بقائكم، هل يصلح أن يكون الشقاق سبباً لفسخ النكاح؟ وما هو حد الشقاق؟ وهل يجوز أن يكون عدم المؤانسة بين الزوجين سبباً للفسخ؟ وما هو تعريف عدم المؤانسة؟.وإذا تعذرت على فضيلتكم الإجابة فالمرجو منكم أن تقدموها إلى من عليه الاعتماد عندكم في مذهب إمام دار الهجرة ـ رضي الله عنه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالشقاق بين الزوجين معناه: وجود خلاف ونزاع وتنافر بينهما، ففي لسان العرب لابن منظور: الشِّقاقُ: العداوةُ بـين فريقـين والـخلافُ بـين اثنـين، سمي ذلك شِقاقاً، لأن كل فريق من فِرقتي العداوة قصد شِقًّا أَي ناحية غير شِقَّ صاحبه.انتهى.

والشقاق بين الزوجين يصلح أن يكون سببا للانفصال، بل إنه من أكبر أسباب الانفصال، لكنه ـ مع ذلك ـ لا يفسخ النكاح بمجرد حصوله، بل إن ظهر اعتداء أحد الزوجين على الآخر فإن القاضي يزجر الظالم منهما عن ظلمه، وإن أشكل أمرهما تعين بعث حكمين للنظر في أمرهما وفعل ما تقتضيه المصلحة من صلح أو خلع أو طلاق، وإليك كلام بعض أهل العلم في المسألة، قال المواق المالكي في التاج والإكليل: وعبارة اللخمي: إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما, وإن لم يرتفعا ويطلبا ذلك منه فلا يحل أن يتركهما على ما هما عليه من المآثم وفساد الدين.انتهى.

وقال الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: يعني أن الزوج إذا كان يضارر زوجته فلها أن ترفع أمره إلى الحاكم فإذا ثبت عنده أنه يضاررها فإنه يزجره عن ذلك ويكفه عنها، ويتولى الحاكم زجره باجتهاده كما كان يتولى الزوج زجرها حين كان الضرر منها، كما قاله ابن عبد السلام. انتهى.

وقال الباجي في المنتقي أيضا: فقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ للحكمين: أتدريان ما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما, وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. انتهى.

وفى الموسوعة الفقهية: الشقاق هنا: هو النزاع بين الزوجين, سواء أكان بسبب من أحد الزوجين, أو بسببهما معا, أو بسبب أمر خارج عنهما, فإذا وقع الشقاق بين الزوجين وتعذر عليهما الإصلاح, فقد شرع بعث حكمين من أهلهما للعمل على الإصلاح بينهما وإزالة أسباب النزاع والشقاق بالوعظ وما إليه, قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. انتهى.

والمؤانسة: تطلق على المؤالفة بين الزوجين بالكلام ونحوه، قال ابن منظور في لسان العرب أيضا: والأَنَسُ: خلاف الوَحْشَةِ، وهو مصدر قولك أَنِسْتُ به بالكسر أَنَساً وأَنَسَةً، قال: وفـيه لغة أُخرى: أَنَسْتُ به أُنْساً مثل كفرت به كُفْراً، قال: و الأُنْسُ والاستئناس هو التَّأَنُّسُ، وقد أَنِسْتُ بفلان، والإِنْسِيُّ: منسوب إِلـى الإِنْس. انتهى.

وقد وردت في كلام بعض أهل العلم بهذا المعني، ففي بريقة محمودية متحدثا عن الكلام المستحب: أو تسلية النساء المفارقات لأهاليهن والمحبوسات في البيوت والمتوحشات بالوحدة والعزلة والمفارقة وحسن المعاشرة معهن، فإن ذلك يوجب المؤانسة والألفة، والصمت ربما يوقع الوحشة والبرودة قيل هنا، كما فعل صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث: أم زرع وقص ذلك على من كان عنده من زوجاته، وتفصيله في المشارق. انتهى.

وإذا كانت المؤانسة بمعني المؤالفة بين الزوجين بالكلام ونحوه فهي مما ينبغي فعله، ولكن عدم وجودها بين الزوجين لا يصلح أن يكون سببا للطلاق مالم يصل الأمر إلى الهجر وقطع الكلام، فإن ذلك من الضرر البين الذي يبيح للزوجة طلب الطلاق، قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي متحدثا عن الضرر المبيح للطلاق: ومن الضرر قطع كلامه عنها وتحويل وجهه عنها وضربها ضربا مؤلما. انتهى.

وراجع المزيد في الفتوى رقم: 105821.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني