الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

الآن عمري 19 سنة، وقد وجبت علي الصلاة منذ الـ 14 وإلى الآن لا أصلي ـ للأسف ـ لكنني أرغب في أن أبدأ بالصلاة، والمشكلة أنني سمعت البعض يقول بأنه لم يرد في السنة الشريفة ولا في القرآن نص يثبت أنه يمكن للمرء أن يقضي ما عليه من صلوات في مثل حالتي، أي أنه لا يمكنني مثلاُ أن أصلي عن السنوات الخمس التي مضت، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحا فماذا يجب علي فعله كي يسامحني الله عن تقصيري في الصلاة ويغفر لي ولا يحاسبني عليها يوم القيامة؟ أتوسل إليكم أن لا تحيلوني لأجوبة سابقة إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب عليك أولا أن تبادر بالتوبة ـ أيها الأخ الحبيب ـ فإن إصرارك على ترك الصلاة هذه المدة الطويلة من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر ـ والعياذ بالله ـ واسمع لما يقوله الحافظ ابن القيم ـ رحمه الله ـ مما يوجب لتارك الصلاة أن يقشعر جلده ويخاف من عظيم ما ارتكبه من الجناية: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة، ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره. انتهى.

فأي مسلم يرضى لنفسه بأن يكون مرتكبا لمثل هذا الذنب العظيم ـ والعياذ بالله ـ ومن ثم فالواجب عليك أن تبادر بالتوبة النصوح، وأن تندم على ما فرط منك، وأن تجتهد في الحفاظ على الصلوات فيما يستقبل فلا تترك شيئا منها، وأن تحرص ما أمكنك على الإكثار من النوافل، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وعليك أن تقضي جميع ما تركته من صلوات في السنوات الماضية في قول جمهور أهل العلم وهو مذهب الأئمة الأربعة وجماهير أصحابهم، والقول بأنه لا يوجد دليل من الكتاب والسنة على وجوب القضاء قول غير صحيح ـ فيما نرى ـ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.

وهذه الصلاة المتروكة دين في ذمة تاركها فلا يبرأ إلا بقضائها، واستدل الجمهور على وجوب القضاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المعذور بالنوم والنسيان بقضاء الصلاة حين يستيقظ أو يذكر فالعامد أولى أن يلزمه القضاء، ولا بد من أن يعلم أن هذه المسألة من مسائل الخلاف، وإلى عدم لزوم القضاء ذهب بعض أكابر أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه وهو قول الظاهرية.

وما أحسن ما قاله الشوكاني في شرح المنتقى بعد مناقشة أدلة الطائفتين قال: إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق، وأن قول النووي في شرح مسلم بعد حكاية قول من قال لا يجب القضاء على العامد أنه خطأ من قائله وجهالة من الإفراط المذموم، وكذلك قول المقبلي في المنار أن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة، إلى آخر كلامه من التفريط. انتهى.

وقد عرفناك أن الراجح عندنا هو لزوم القضاء وهو قول الجمهور كما مر، وانظر الفتويين رقم: 65785 ، ورقم 51257، ويجب عليك القضاء حسب طاقتك بما لا يضر ببدنك أو معاشك، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فتقضي ما تقدر على قضائه حتى تؤدي ما عليك من دين.

نسأل الله أن يهدي عصاة المسلمين.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني