الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرتكب الكبيرة لا يوصف بالإيمان التام

السؤال

1-تناقشت مع أحدهم في حكم مرتكب الكبيرة فقال: إنه كافر! قلت يا أخي كيف ذلك؟ فاحتكمنا لرجل دين فقال: إنه ليس كافراً وليس مؤمناً! فتركتهم وجئت أبحث عن الإجابة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مرتكب الكبيرة يُسمى في الشرع فاسقاً، والله سبحانه وتعالى قد سمَّاه بذلك، فقال عز وجل عن الكاذبين: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) [الحجرات: 16] فالله تعالى لم يُخرج الكاذب من الإيمان، ولم يكفره، ويشبه هذا قول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)[الحجرات:9] فقد سمى الله تعالى المتقاتلين من المسلمين مؤمنين، برغم أن بعضهم يقتل بعضاً تأولاً، ويؤكد أنهم لم يكفروا بذلك قول الله بعدها: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)[الحجرات:10] ونحن لا نكفر أحداً إلا بدليل شرعي، فمن كفره الله ورسوله كفرناه، ونقول عن مرتكب الكبيرة من المسلمين إنه فاسق، والفاسق لا ينفى عنه مطلق الإيمان بفسوقه، ولا يوصف بالإيمان التام، لأن إيمانه ينقص بقدر ما يرتكب من الآثام، وفي ذلك يقول حافظ بن أحمد الحكمي في سلم الوصول:
والفاسق الملي ذو العصيــان لم ينف عنه مطلق الإيمـان
لكن بقدر الفسق والمعــاصي إيمانه ما زال في انتقـاص
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف معاصي المؤمنين بالكفر، يُحمل على الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" رواه البخاري ومسلم
وذلك لأن الكفر منه أصغر ومنه أكبر، والنفاق والشرك والظلم كذلك، فقد بين الله تعالى أن الشرك نوع من الظلم، وهو الظلم الأكبر، فقال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)[لقمان:13] ولا منافاة بين تسمية العمل فسقاً أو عامله فاسقاً، وبين تسميته مسلماً، وجريان أحكام المسلمين عليه، لأنه ليس كل فسق يكون كفراً، ولا كل ما سمي كفراً وظلماً يكون مخرجاً من الملة حتى يُنظر إلى لوازمه وملزوماته.
ونخلص مما سبق إلى أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر، ولكنه فاسق مستحق للوعيد، وإن شاء الله غفر له، ويشهد لهذا قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)[النساء:48] وإليه أشار حافظ بن أحمد الحكمي بقوله:
ولا نقول إنه في النـــار مخلد بل أمــره للبــاري
تحت مشيئة الإله النافـذهْ إن شا عفا عنه وإن شا أخـذهْ
والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني