الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أسقطت جنينها وهو في الشهر الثاني

السؤال

أنا عندي 8 أبناء وحالتنا المعيشية صعبة وقدر الله وحملت وأسقطت الجنين وهو في الشهر الثاني كنت أحمل أشياء ثقيلة لكي أسقطه والآن ندمانة على ما فعلت أشد الندم
ماذا يتوجب علي؟ وهل علي كفارة؟ أفيدوني بارك الله فيكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأول ما يجب على السائلة هو أن تتوب إلى الله تعالى من تعمد إجهاض جنينها والتسبب في ذلك، وقد أوجب العلماء دية الجنين على المرأة في ما هو أقل مما فعلته السائلة، ومن ذلك ما ذكره الدسوقي في حاشيته، من أن المرأة إذا شمت رائحة طعام من الجيران مثلا، وغلب على ظنها أنها إن لم تأكل منه أجهضت فعليها الطلب، فإن لم تطلب ولم يعلموا بحملها حتى ألقته، فعليها الغرة لتقصيرها ولتسببها اهـ.

والذي يجب على السائلة بعد التوبة إنما هو بحسب حال الجنين، فإن السائلة ذكرت أنها أسقطته في الشهر الثاني دون تحديد اليوم، وقد اتفق أهل العلم على وجوب الدية في الجناية على الجنين الذي استبان بعض خلقه، واختلفوا في ما دون ذلك.

جاء في (الموسوعة الفقهية): يتفق الفقهاء في أصل ترتب العقوبة إذا استبان بعض خلق الجنين، كظفر وشعر، فإنه يكون في حكم تام الخلق اتفاقا، ولا يكون ذلك كما يقول ابن عابدين إلا بعد مائة وعشرين يوما، وتوسع المالكية فأوجبوا الغرة حتى لو لم يستبن شيء من خلقه، ولو ألقته علقة أي دما مجتمعا. والشافعية يوجبون الغرة أيضا لو ألقته لحما في صورة آدمي. وعند الحنابلة إذا ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، وجهان: أصحهما لا شيء فيه، وهو مذهب الشافعي فيما ليس فيه صورة آدمي. أما عند الحنفية ففيه حكومة عدل. اهـ.

والذي نرى ترجيحه هو أنه متى خرج الحمل عن طور النطفة، وذلك بعدما يمر عليه أربعون يوما ويدخل في الأربعين الثانية، فإنه تلزم فيه غرة، سواء كان علقة أو مضغة أو غير ذلك، وقد سبق بيان ذلك وتعليله في الفتوى رقم: 9332.

ومما يؤيد هذا ما ثبت حديثا في علم الأجنة، فقد قدم المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بحثا بعنوان (علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة) جاء فيه: بعد استعراض ما تقدم نرى أن النطفة والعلقة والمضغة تكتمل خلال الأربعين يوماً الأولى، وترى الجنين في نهاية هذه المراحل في شكل مضغة لا يدل على مخلوق إنساني، وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكون الأعضاء وانتشار الهيكل العظمي بصورة ظاهرة، ويستمر الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق بعد ذلك، ولكن الخطوات الأساسية للتفريق بين شكل المضغة والشكل الإنساني تكتمل بين اليوم الأربعين والخامس والأربعين. اهـ.

وفيه أيضا: يبقى الجنين محافظاً على شكل المضغة الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية حتى نهاية الأسبوع السادس. ومع بداية الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي الغضروفي في الانتشار في الجسم كله، فيأخذ الجنين شكل الهيكل العظمي .. ويتميز هذا الطور بظهور الهيكل العظيم الذي يعطي الجنين مظهره الآدمي ومصطلح العظام الذي أطلقه القرآن الكريم. اهـ.

وعلى ذلك فإن كان هذا الإجهاض المسئول عنه قد حصل بعد تمام أربعين يوما من الحمل، فيلزم فيه دية الجنين، وهي الغرة: عبد أو وليدة، وقيمة هذه الغرة إن لم توجد كما في عصرنا هذا: عشر دية الأم. وقدّرها بعضهم بمائتين وثلاثة عشر جراما من الذهب تقريبا.

وأما الكفارة فقد اختلف العلماء في وجوبها، والأحوط فعلها، وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتويين: 124539 ، 124185.

وأما إذا كان هذا الإجهاض حصل قبل الأربعين، فلا يجب فيه إلا التوبة، فلا دية ولا كفارة، كما سبق تفصيله في الفتويين: 19113 ، 9332. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 130388، 14173 ، 29151 .

ثم ننبه السائلة على أمرين:

ـ الأول: أن الدية الواجبة لهذا الجنين، اختلف العلماء على من تجب، هل على المرأة الجانية في مالها، أم على عاقلتها، وقد سبق لنا تفصيل أقوالهم في هذه المسألة في الفتوى رقم: 11681 .

والراجح أنها تجب على العاقلة، لحديث المغيرة بن شعبة أن امرأتين كانتا ضرتين فرمت إحداهما الأخرى بحجر أو عمود فسطاط فألقت جنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين غرة عبد أو أمة، وجعله على عصبة المرأة . رواه مسلم والترمذي واللفظ له.

والمستحق لهذه الدية هم ورثة الجنين عدا الجانية، فإن كان أبوه هو وارثه فتنازل عنها، فلا بأس بذلك وقد برئت ذمة القاتلة من الدية.

ـ إذا عجزت عن صيام الشهرين لعذر مؤقت فإنها تنتظر حال القدرة عليه، وإن كان لعذر لا يزول فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن عليها إطعام ستين مسكينا، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 5914 .

فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني