الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خيارات التصرف مع من أساء إليك

السؤال

أرجو نصحي في كيفية التصرف إذا أساء إلي أحدهم أو شتمني، خاصة أنني لا أملك نفسي ولا أعرف كيف أتكلم فألزم الصمت في كثير من الأحيان، لكنني غير مرتاحة، وخاصة إذا رأيت عيباً أو خطئا، ولكن الآخرين لا يفهمونني.
مع الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن سبِّه إنسان أو شتمه فهو بين خيارات ثلاث:

الأول: أن يعفو عن الظالم ويسامحه، وهذا أفضل الخيارات وأكرمها، فقد ندب الله سبحانه عباده إلى الصبر بقوله: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186}.

وندبهم إلى العفو، بقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}.

وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.

وفي صحيح مسلم ـ من حديث أبي هريرة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً يعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

واعلمي أن العفو والصفح هما خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق رسول الله، فقالت: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي، وأصله في الصحيحين.

الثاني: أن يسكت عنه، ولكن لا يسامحه، بل يفوض أمره فيه إلى الله سبحانه، لينتقم له منه، وهذا مشروع، لكنه دون الأول في الفضل.

الثالث: أن يرد عليه بمثل ما سبه به، وهذا جائز بشروط وضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 130331.

أما السكوت عن المخالفات والأخطاء: فالأصل فيه عدم الجواز، لأنه من باب إقرار المنكر وترك النصح للمسلمين، ومن المعلوم أن تغيير المنكر فرض على الكفاية ـ بحسب القدرة وغلبة المصلحة ـ كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 124424، وكذا النصيحة للمسلمين، فإنها واجبة بحسب الطاقة، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 131318.

ولا يشترط لوجوب تغيير المنكر أن يغلب على الظن استجابة من ينكر عليه، فإذا قمت بما يجب عليك من الأمر والنهي، فقد برئت ذمتك بذلك ـ سواء استجاب من تنكرين عليه أم لا ـ قال تعالى: وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأعراف:164}.

جاء في تفسير ابن كثير: نفعل ذلك ـ معذرة إلى ربكم.أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولعلهم يتقون. يقولون: ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني